ومن قال: إنها أسماء السور فموضعها عنده الرفع على أنها عنده خبر ابتداء مضمر، أي هذه " الم "، كما تقول: هذه سورة البقرة. أو تكون رفعا على الابتداء والخبر ذلك، كما تقول:
زيد ذلك الرجل. وقال ابن كيسان النحوي: " ألم " في موضع نصب، كما تقول: اقرأ " ألم " أو عليك " ألم ". وقيل: في موضع خفض بالقسم، لقول ابن عباس: إنها أقسام أقسم الله بها.
قوله تعالى: (ذلك الكتاب) قيل: المعنى هذا الكتاب. و " ذلك " قد تستعمل في الإشارة إلى حاضر، وإن كان موضوعا للإشارة إلى غائب، كما قال تعالى في الاخبار عن نفسه جل وعز: " ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم (1) "، ومنه قول خفاف بن ندبة:
أقول له والرمح يأطر (2) متنه * تأمل خفافا إنني أنا ذلكا أي أنا هذا. ف " ذلك " إشارة إلى القرآن، موضوع موضع هذا، تلخيصه: ألم هذا الكتاب لا ريب فيه. وهذا قول أبي عبيدة وعكرمة وغيرهما، ومنه قوله تعالى: " وتلك حجتنا آتيناها (3) إبراهيم " " تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق (4) " أي هذه، لكنها لما أنقضت صارت كأنها بعدت فقيل تلك. وفي البخاري " وقال معمر ذلك الكتاب هذا القرآن ". " هدى للمتقين " بيان ودلالة، كقوله: " ذلكم حكم الله يحكم بينكم " (5) هذا حكم الله.
قلت: وقد جاء " هذا " بمعنى " ذلك "، ومنه قوله عليه السلام في حديث أم حرام: (يركبون ثبج (6) هذا البحر) أي ذلك البحر، والله أعلم. وقيل: هو على بابه إشارة إلى غائب.
واختلف في ذلك الغائب على أقوال عشرة، فقيل: " ذلك الكتاب " أي الكتاب الذي كتبت على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق لا ريب فيه، أي لا مبدل له. وقيل:
ذلك الكتاب، أي الذي كتبت على نفسي في الأزل (أن رحمتي سبقت غضبي). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده أن رحمتي تغلب غضبي) في رواية: (سبقت). وقيل: