قلت: هذا القول في المتشابه وحكمه، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه في (آل عمران) إن شاء الله تعالى (1). وقال جمع من العلماء كبير: بل يجب أن نتكلم فيها، ونلتمس الفوائد التي تحتها، والمعاني التي تتخرج عليها، واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة، فروي عن ابن عباس وعلي أيضا: أن الحروف المقطعة في القرآن اسم الله الأعظم، إلا أنا لا نعرف تأليفه منها. وقال قطرب والفراء وغيرهما: هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي منها بناء كلامهم، ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم. قال قطرب: كانوا ينفرون عند استماع القرآن، فلما سمعوا: " ألم " و " المص " استنكروا هذا اللفظ، فلما أنصتوا له صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم. وقال قوم: روي أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة وقالوا: " لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه (2) " [فصلت: 26] نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة. وقال جماعة: هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها، كقول ابن عباس وغيره:
الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: الألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه لطيف، والميم مفتاح اسمه مجيد. وروى أبو الضحى عن ابن عباس في قوله: " ألم " قال: أنا الله أعلم، " الر " أنا الله أرى، " المص " أنا الله أفصل. فالألف تؤدي عن معنى أنا، واللام تؤدي عن اسم الله، والميم تؤدي عن معنى أعلم. واختار هذا القول الزجاج وقال: اذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى، وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة نظما لها ووضعا بدل الكلمات التي الحروف منها، كقوله:
* فقلت لها قفي فقالت قاف * أراد: قالت وقفت. وقال زهير:
* بالخير خيرات وإن شرا فا * ولا أريد الشر إلا أن تا أراد: وإن شرا فشر. وأراد: إلا أن تشاء.