الحادية عشرة - قال ابن العربي: لما قال صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) واختلف الناس في هذا الأصل هل يحمل هذا النفي على التمام والكمال، أو على الاجزاء؟ اختلفت الفتوى بحسب اختلاف حال الناظر، ولما كان الأشهر في هذا الأصل والأقوى أن النفي على العموم، كان الأقوى من رواية مالك أن من لم يقرأ الفاتحة في صلاته بطلت. ثم نظرنا في تكرارها في كل ركعة، فمن تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(افعل ذلك في صلاتك كلها) لزمه أن يعيد القراءة كما يعيد الركوع والسجود. والله أعلم.
الثانية عشرة - ما ذكرناه في هذا الباب من الأحاديث والمعاني في تعيين الفاتحة يرد على الكوفيين قولهم في أن الفاتحة لا تتعين، وأنها وغيرها من أي القرآن سواء. وقد عينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما ذكرناه، وهو المبين عن الله تعالى مراده في قوله: " وأقيموا الصلاة ". وقد روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر. فدل هذا الحديث على أن قوله عليه السلام للاعرابي: (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ما زاد على الفاتحة، وهو تفسير قوله تعالى: " فاقرءوا ما تيسر منه " [المزمل: 20] وقد روى مسلم عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القران - زاد في رواية - فصاعدا ". وقوله عليه السلام: (هي خداج - ثلاثا - غير تمام) أي غير مجزئة بالأدلة المذكورة. والخداج: النقص والفساد. قال الأخفش:
خدجت الناقة، إذا ألقت ولدها لغير تمام، وأخدجت إذا قذفت به قبل وقت الولادة وإن كان تام الخلق.
والنظر يوجب في النقصان ألا تجوز معه الصلاة، لأنها صلاة لم تتم، ومن خرج من صلاته وهي لم تتم فعليه إعادتها كما أمر، على حسب حكمها. ومن أدعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل، ولا سبيل إليه من وجه يلزم، والله أعلم.
الثالثة عشرة - روى عن مالك أن القراءة لا تجب في شئ من الصلاة، وكذلك كان الشافعي يقول بالعراق فيمن نسيها، ثم رجع عن هذا بمصر فقال: لا تجزئ صلاة من يحسن