تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٨١
قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة يعني أبا سفيان فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم قال: لبيك فداك أبي وأمي ما وراءك؟ فقلت: هذا رسول الله وراءك قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين.
قال: فما تأمرني؟ قلت تركب عجز هذه البغلة فاستأمن لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: هذا عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال يعني عمر: يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد ثم اشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة وسبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة الرجل البطئ.
فدخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه فقلت: يا رسول الله إني قد أجرته ثم إني جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت: مهلا يا عمر فوالله ما يصنع هذا الرجل إلا أنه رجل من آل بني عبد مناف ولو كان من عدي بن كعب ما قلت هذا قال: مهلا يا عباس لاسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اذهب فقد آمناه حتى تغدو به علي في الغداة.
قال: فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ فقال: بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لاغنى يوم بدر ويوم أحد فقال:
ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ فقال: بأبي أنت وأمي أما هذه فإن في النفس منها شيئا قال العباس: فقلت له: ويحك اشهد بشهادة الحق قبل أن يضرب عنقك فتشهد.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم للعباس: انصرف يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتى يمر عليه جنود الله قال: فحبسته عند خطم (1) الجبل بمضيق الوادي ومر عليه القبائل قبيلة قبيلة وهو يقول: من هؤلاء؟ وأقول: أسلم وجهينة وفلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقال:

(1) خطم الجبل: أنفه.
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»
الفهرست