تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٦٦
من مكة للتجارة وذلك أن الحرم واد جديب لا زرع فيه ولا ضرع فكانت قريش تعيش فيه بالتجارة، وكانت لهم في كل سنة رحلتان للتجارة رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة بالصيف إلى الشام، وكانوا يعيشون بذلك وكان الناس يحترمونهم لمكان البيت الحرام فلا يتعرضون لهم بقطع طريقهم أو الإغارة على بلدهم الآمن.
وقوله: " لايلاف قريش " اللام فيه للتعليل، وفاعل الايلاف هو الله سبحانه وقريش مفعوله الأول ومفعوله الثاني محذوف يدل عليه ما بعده، وقوله: " إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " بدل من إيلاف قريش، وفاعل إيلافهم هو الله ومفعوله الأول ضمير الجمع ومفعوله الثاني رحلة الخ، والتقدير لايلاف الله قريشا رحلة الشتاء والصيف.
قوله تعالى: " فليعبدوا رب هذا البيت " الفاء في " فليعبدوا " لتوهم معنى الشرط أي أي شئ كان فليعبدوا رب هذا البيت لايلافه أيام الرحلتين أو لتوهم التفصيل أي مهما يكن من شئ فليعبدوا رب هذا البيت الخ، فهو كقوله تعالى: " ولربك فاصبر " المدثر: 7.
ومحصل معنى الآيات الثلاث ليعبد قريش رب هذا البيت لأجل إيلافه إياهم رحلة الشتاء والصيف وهم عائشون بذلك في أمن.
هذا بالنظر إلى كون السورة منفصلة عما قبلها ذات سياق مستقل في نفسها، وأما على تقدير كونها جزء من سورة الفيل متممة لها فذكروا أن اللام في " لايلاف " تعليلية متعلقة بمقدر يدل عليه المقام والمعنى فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش مضافة إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء والصيف فكأنه قال: نعمة إلى نعمة ولذا قيل: إن اللام مؤدية معنى إلى وهو قول الفراء.
وقيل: المعنى فعلنا ذلك بأصحاب الفيل لتألف قريش بمكة ويمكنهم المقام بها أو لنؤلف قريشا فإنهم هابوا من أبرهة لما قصدها وهربوا منه فأهلكناهم لترجع قريش إلى مكة ويألفوا بها ويولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيبعث إلى الناس بشيرا ونذيرا هذا، والكلام في استفادة هذه المعاني من السياق.
قوله تعالى: " الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " إشارة إلى ما في إيلافهم الرحلتين من منه الواضح ونعمته الظاهرة عليهم وهو الاطعام والامن فيعيشون في أرض لا خصب فيها ولا أمن لغيرهم فليعبدوا ربا يدبر أمرهم أحسن التدبير وهو رب البيت.
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»
الفهرست