تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٤٣
وإن كنا في غفلة من ذلك.
وقد اشتد الخلاف بينهم في معنى تحديث الأرض بالوحي أهو بإعطاء الحياة والشعور للأرض الميتة حتى تخبر بما وقع فيها أو بخلق صوت عندها وعد ذلك تكلما منها أو دلالتها بلسان الحال بما وقع فيها من الأعمال، ولا محل لهذا الاختلاف بعد ما سمعت ولا أن الحجة تتم على أحد بهذا النوع من الشهادة.
قوله تعالى: " يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم " الصدور انصراف الإبل عن الماء بعد وروده، وأشتات كشتى جمع شتيت بمعنى المتفرق، والآية جواب بعد جواب لاذا.
والمراد بصدور الناس متفرقين يومئذ انصرافهم عن الموقف إلى منازلهم في الجنة والنار وأهل السعادة والفلاح منهم متميزون من أهل الشقاء والهلاك، وإراءتهم أعمالهم إراءتهم جزاء أعمالهم بالحلول فيه أو مشاهدتهم نفس أعمالهم بناء على تجسم الأعمال.
وقيل: المراد به خروجهم من قبورهم إلى الموقف متفرقين متميزين بسواد الوجوه وبياضها وبالفزع والامن وغير ذلك لاعلامهم جزاء أعمالهم بالحساب والتعبير عن العلم بالجزاء بالرؤية وعن الاعلام بالإراءة نظير ما في قوله تعالى: " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء " آل عمران: 30، والوجه الأول أقرب وأوضح.
قوله تعالى: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " المثقال ما يوزن به الأثقال، والذرة ما يرى في شعاع الشمس من الهباء، وتقال لصغار النمل.
تفريع على ما تقدم من إراءتهم أعمالهم، فيه تأكيد البيان في أنه لا يستثنى من الاراءة عمل خيرا أو شرا كبيرا أو صغيرا حتى مثقال الذرة من خير أو شر، وبيان حال كل من عمل الخير والشر في جملة مستقلة لغرض إعطاء الضابط وضرب القاعدة.
ولا منافاة بين ما تدل عليه الآيتان من العموم وبين الآيات الدالة على حبط الأعمال، والدالة على انتقال أعمال الخير والشر من نفس إلى نفس كحسنات القاتل إلى المقتول وسيئات المقتول إلى القاتل، والدالة على تبديل السيئات حسنات في بعض التائبين إلى غير ذلك مما تقدمت الإشارة إليه في بحث الأعمال في الجزء الثاني من الكتاب وكذا في تفسير قوله: " ليميز الله الخبيث من الطيب " الآية الأنفال: 37.
وذلك لان الآيات المذكورة حاكمة على هاتين الآيتين فإن من حبط عمله الخير محكوم بأنه لم يعمل خيرا فلا عمل له خيرا حتى يراه وعلى هذا القياس في غيره فافهم.
(٣٤٣)
مفاتيح البحث: القتل (2)، الشهادة (1)، القبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»
الفهرست