من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم " البقرة: 213 وقد مر تفسير الآية.
وفي هذا المعنى قوله تعالى: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض - إلى أن قال - ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر " البقرة: 254.
وبالجملة فالذين أوتوا الكتاب أعم من أهل الكتاب فقوله: " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب " الخ يشمل المشركين كما يشمل أهل الكتاب.
قوله تعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " الخ ضمير " أمروا " للذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين أي لم يتضمن رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والكتب القيمة التي في صحف الوحي إلا أمرهم بعبادة الله تعالى بقيد الاخلاص في الدين فلا يشركوا به شيئا.
وقوله: " حنفاء " حال من ضمير الجمع وهو جمع حنيف من الحنف وهو الميل عن جانبي الافراط والتفريط إلى حاق وسط الاعتدال وقد سمى الله تعالى الاسلام دينا حنيفا لأنه يأمر في جميع الأمور بلزوم الاعتدال والتحرز عن الافراط وتفريط.
وقوله: " ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " من قبيل ذكر الخاص بعد العام أو الجزء بعد الكل اهتماما بأمره فالصلاة والزكاة على أركان الاسلام وهما التوجه العبودي الخاص إلى الله وإنفاق المال في الله.
وقوله: " وذلك دين القيمة " أي دين الكتب القيمة على ما فسروا، والمراد بالكتب القيمة إن كان جميع الكتب السماوية أعني كتاب نوح ومن دونه من الأنبياء عليهم السلام فالمعنى إن هذا الذي أمروا به ودعوا إليه في الدعوة المحمدية هو الدين الذي كلفوا به في كتبهم القيمة وليس بأمر بدع فدين الله واحد وعليهم أن يدينوا به لأنه القيم.
وإن كان المراد به ما كان يتلوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكتب القيمة التي في الصحف المطهرة فالمعنى أنهم لم يؤمروا في الدعوة الاسلامية إلا بأحكام وقضايا هي القيمة الحافظة لمصالح المجتمع الانساني فلا يسعهم إلا أن يؤمنوا بها ويتدينوا.
فالآية على أي حال تشير إلى كون دين التوحيد الذي يتضمنه القرآن الكريم المصدق لما بين يديه من الكتاب والمهيمن (1) عليه فيما يأمر المجتمع البشري قائما بأمرهم حافظا