تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٣٨
والعمل، ومن الدليل عليه توصيفها بالقيامة فإنها من القيام بالشئ بمعنى حفظه ومراعاة مصلحته وضمان سعادته قال تعالى: " أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم " يوسف: 40، ومعلوم أن الصحف السماوية إنما تقوم بأمر المجتمع الانساني وتحفظ مصلحته بما فيها من الاحكام والقضايا المتعلقة بالاعتقاد والعمل.
فمعنى الآيتين: الحجة البينة التي أتتهم رسول من الله يقرء صحائف سماوية مطهرة من دنس الباطل في تلك الصحائف أحكام وقضايا قائمة بأمر المجتمع الانساني حافظة لمصالحه.
قوله تعالى: " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة " كانت الآية الأولى " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " الخ تشير إلى كفرهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكتابه المتضمن للدعوة الحقة وهذه الآية تشير إلى اختلافهم السابق على الدعوة الاسلامية وقد أشير إلى ذلك في مواضع من القرآن الكريم كما قال تعالى: " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " آل عمران: 19 إلى غير ذلك من الآيات.
ومجئ البينة لهم هو البيان النبوي الذي تبين لهم في كتابهم أو أوضحه لهم أنبياؤهم قال تعالى: " ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم " الزخرف: 65.
فإن قلت: ما باله تعرض لاختلاف أهل الكتاب وتفرقهم في مذاهبهم ولم يتعرض لتفرق المشركين وإعراضهم عن دين التوحيد وإنكارهم الرسالة.
قلت: لا يبعد أن يكون قوله: " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب " الخ شاملا للمشركين كما هو شامل لأهل الكتاب فقد بدل أهل الكتاب - وهم في عرف القرآن اليهود والنصارى والصابئون والمجوس أو اليهود والنصارى - من الذين أوتوا الكتاب، والتعبيران متغايران، وقد صرح تعالى بأنه أنزل الكتاب - وهو الشريعة المفروضة عليهم الحاكمة في اختلافاتهم في أمور الحياة - أول ما بدا الاختلافات الحيوية بينهم ثم اختلفوا في الدين بعد تبين الحق لهم وقيام الحجة عليهم فعامة البشر آتاهم الله كتابا ثم اختلفوا فيه فمنهم من نسي ما أوتيه، ومنهم من أخذ به محرفا ومنهم من حفظه وآمن به، قال تعالى: " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»
الفهرست