تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٣٧
وقوله: " منفكين " من الانفكاك وهو الانفصال عن شدة اتصال، والمراد به - على ما يستفاد من قوله: " حتى تأتيهم البينة " - انفكاكهم عما تقتضي سنة الهداية والبيان كأن السنة الإلهية كانت قد أخذتهم ولم تكن تتركهم حتى تأتيهم البينة ولما أتتهم البينة تركتهم وشأنهم كما قال تعالى: " وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون " التوبة: 115.
وقوله: " حتى تأتيهم البينة " على ظاهره من الاستقبال والبينة هي الحجة الظاهرة والمعنى لم يكن الذين كفروا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بدعوته أو بالقرآن لينفكوا حتى تأتيهم البينة والبينة هي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وللقوم اختلاف عجيب في تفسير الآية ومعاني مفرداتها حتى قال بعضهم - على ما نقل -: إن الآية من أصعب الآيات القرآنية نظما وتفسيرا. انتهى، والذي أوردناه من المعنى هو الذي يلائمه سياقها من غير تناقض بين الآيات وتدافع بين الجمل والمفردات، ومن أراد الاطلاع على تفصيل ما قيل ويقال فعليه أن يراجع المطولات.
قوله تعالى: " رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة " بيان للبينة والمراد به محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعا على ما يعطيه السياق.
والصحف جمع صحيفة وهي ما يكتب فيها، والمراد بها أجزاء القرآن النازلة وقد تكرر في كلامه تعالى إطلاق الصحف على أجزاء الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم قال تعالى: " في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة " عبس: 16.
والمراد بكون الصحف مطهرة تقدسها من قذارة الباطل بمس الشياطين، وقد تكرر منه تعالى أنه حق مصون من مداخلة الشياطين وقال: " لا يمسه إلا المطهرون " الواقعة: 79.
وقوله: " فيها كتب قيمة " الكتب جمع كتاب ومعناه المكتوب ويطلق على اللوح والقرطاس ونحوهما المنقوشة فيها الألفاظ وعلى نفس الألفاظ التي تحكي عنها النقوش، وربما يطلق على المعاني بما أنها محكية بالألفاظ، ويطلق أيضا على الحكم والقضاء يقال كتب عليه كذا أي قضى أن يفعل كذا قال تعالى: " كتب عليكم الصيام " البقرة: 183 وقال: " كتب عليكم القتال " البقرة: 216.
والظاهر أن المراد بالكتب التي في الصحف الاحكام والقضايا الإلهية المتعلقة بالاعتقاد
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»
الفهرست