الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعضه فيركمه جميعا فيجعله في جهنم " الأنفال: 37 وقد قال سبحانه في القرآن الذي هو هدى للعالمين: " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " أسرى: 82.
ويمكن أن يكون المراد به مطلق الهداية أعم من الهداية التكوينية الحقيقية والتشريعية الاعتبارية - على ما هو ظاهر إطلاق اللفظ - فله تعالى الهداية الحقيقية كما قال: " الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50، والهداية الاعتبارية كما قال: " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " الانسان: 3.
وقوله: " وإن لنا للآخرة والأولى " أي عالم البدء وعالم العود فكل ما يصدق عليه أنه شئ فهو مملوك له تعالى بحقيقة الملك الذي هو قيام وجوده بربه القيوم ويتفرع عليه الملك الاعتباري الذي من آثاره جواز التصرفات.
فهو تعالى يملك كل شئ من كل جهة فلا يملك شئ منه شيئا فلا معارض يعارضه ولا مانع يمنعه ولا شئ يغلبه كما قال: " والله يحكم لا معقب لحكمه " الرعد: 41 وقال:
" والله غالب على أمره " يوسف: 21، وقال " ويفعل الله ما يشاء " إبراهيم: 27.
قوله تعالى: " فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى " تفريع على ما تقدم أي إذا كان الهدى علينا فأنذرتكم نار جهنم وبذلك يوجه ما في قوله:
" فأنذرتكم " من الالتفات عن التكلم مع الغير إلى التكلم وحده أي إذا كان الهدى مقضية محتومة فالمنذر بالأصالة هو الله وإن كان بلسان رسوله.
وتلظى النار تلهبها وتوهجها، والمراد بالنار التي تتلظى جهنم كما قال تعالى: " كلا إنها لظى " المعارج: 15.
والمراد بالأشقى مطلق الكافر الذي يكفر بالتكذيب والتولي فإنه أشقى من سائر من شقي في دنياه فمن ابتلي في بدنه شقي ومن أصيب في ماله أو ولده مثلا شقي ومن خسر في أمر آخرته شقي والشقي في أمر آخرته أشقى من غيره لكون شقوته أبدية لا مطمع في التخلص منها بخلاف الشقوة في شأن من شؤون الدنيا فإنها مقطوعة لا محالة مرجوة الزوال عاجلا.
فالمراد بالأشقى هو الكافر المكذب بالدعوة الحقة المعرض عنها على ما يدل عليه توصيفه بقوله: " الذي كذب وتولى " ويؤيده إطلاق الانذار، وأما الأشقى بمعنى أشقى