الفطرة فالآية في معنى قوله حكاية عن موسى: " حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق " الأعراف: 105.
قوله تعالى: " فذكر إن نفعت الذكرى " تفريع على ما تقدم من أمره صلى الله عليه وآله وسلم بتنزيه اسم ربه ووعده إقراء الوحي بحيث لا ينسى وتيسيره لليسرى وهي الشرائط الضرورية التي يتوقف عليها نجاح الدعوة الدينية.
والمعنى إذ تم لك الامر بامتثال ما أمرناك به وإقرائك فلا تنسى وتيسيرك لليسرى فذكر إن نفعت الذكرى.
وقد اشترط في الامر بالتذكرة أن تكون نافعة وهو شرط على حقيقته فإنها إذا لم تنفع كانت لغوا وهو تعالى يجل عن أن يأمر باللغو فالتذكرة لمن يخشى لأول مرة تفيد ميلا من نفسه إلى الحق وهو نفعها وكذا التذكرة بعد التذكرة كما قال: " سيذكر من يخشى " والتذكرة للأشقى الذي لا خشية في قلبه لأول مرة تفيد تمام الحجة عليه وهو نفعها ويلازمها تجنبه وتوليه عن الحق كما قال: " ويتجنبها الأشقى " والتذكرة بعد التذكرة له لا تنفع شيئا ولذا امر بالاعراض عن ذلك قال تعالى: " فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا " النجم: 29.
وقيل: الشرط شرط صوري غير حقيقي وانما هو اخبار عن أن الذكرى نافعة لا محالة في زيادة الطاعة والانتهاء عن المعصية كما يقال: سله إن نفع السؤال ولذا قال بعضهم " إن " " إن " في الآية بمعنى قد " وقال آخرون: إنها بمعنى إذ.
وفيه أن كون الذكرى نافعة مفيدة دائما حتى فيمن يعاند الحق - وقد تمت عليه الحجة ممنوع كيف؟ وقد قيل فيهم: " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " البقرة: 7.
وقيل: إن في الكلام إيجازا بالحذف، والتقدير فذكر إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع وذلك لأنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث للتذكرة والاعذار فعليه أن يذكر نفع أو لم ينفع فالآية من قبيل قوله: " وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر " النحل: 81 أي والبرد.
وفيه أن وجوب التذكرة عليه صلى الله عليه وآله وسلم حتى فيما لا يترتب عليها أثرا أصلا ممنوع.
وقيل: إن الشرط مسوق للإشارة إلى استبعاد النفع في تذكرة هؤلاء المذكورين