تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٦٦
قوله تعالى: " فجعله غثاء أحوى " الغثاء ما يقذفه السيل على جانب الوادي من الحشيش والنبات، والمراد هنا - كما قيل - اليابس من النبات، والأحوى الأسود.
وإخراج المرعى لتغذي الحيوان ثم جعله غثاء أحوى من مصاديق التدبير الربوبي ودلائله كما أن الخلق والتسوية والتقدير والهداية كذلك.
قوله تعالى: " سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى " قال في المفردات: والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم، ويدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوه به قراءة، انتهى، وقال في المجمع: والأقراء أخذ القراءة على القارئ بالاستماع لتقويم الزلل، والقاري التالي. انتهى.
وليس إقراؤه تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم القرآن مثل إقراء بعضنا بعضا باستماع المقري لما يقرؤه القاري واصلاح ما لا يحسنه أو يغلط فيه فلم يعهد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرء شيئا من القرآن فلا يحسنه أو يغلط فيه عن نسيان للوحي ثم يقرء فيصلح بل المراد تمكينه من قراءة القرآن كما أنزل من غير أن يغيره بزيادة أو نقص أو تحريف بسبب النسيان.
فقوله: " سنقرئك فلا تنسى " وعد منه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يمكنه من العلم بالقرآن وحفظه على ما أنزل بحيث يرتفع عنه النسيان فيقرؤه كما أنزل وهو الملاك في تبليغ الوحي كما أوحي إليه.
وقوله: " إلا ما شاء الله " استثناء مفيد لبقاء القدرة الإلهية على اطلاقها وأن هذه العطية وهي الأقراء بحيث لا تنسى لا ينقطع عنه سبحانه بالاعطاء بحيث لا يقدر بعد على انسائك بل هو باق على اطلاق قدرته له أن يشاء انساءك متى شاء وان كان لا يشاء ذلك فهو نظير الاستثناء الذي في قوله: " واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ " هود: 108 وقد تقدم توضيحه.
وليس المراد بالاستثناء اخراج بعض افراد النسيان من عموم النفي والمعنى سنقرئك فلا تنسى شيئا الا ما شاء الله أن تنساه وذلك أن كل انسان على هذه الحال يحفظ أشياء وينسى أشياء فلا معنى لاختصاصه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بلحن الامتنان مع كونه مشتركا بينه وبين غيره فالوجه ما قدمناه.
والآية بسياقها لا تخلو من تأييد لما قيل: انه كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل عليه جبريل
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»
الفهرست