تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٦٠
وفي الاتيان بقوله: " خلق " مبنيا للمفعول وترك ذكر الفاعل وهو الله سبحانه إيماء إلى ظهور أمره، ونظيره قوله: " خلق من ماء " الخ.
قوله تعالى: " خلق من ماء دافق " الدفق تصبب الماء وسيلانه بدفع وسرعة والماء الدافق هو المني والجملة جواب عن استفهام مقدر يهدي إليه قوله: " مم خلق ".
قوله تعالى: " يخرج من بين الصلب والترائب " الصلب الظهر، والترائب جمع تريبة وهي عظم الصدر.
وقد اختلفت كلماتهم في الآية وما قبلها اختلافا عجيبا، والظاهر أن المراد بقوله:
" بين الصلب والترائب " البعض المحصور من البدن بين جداري عظام الظهر وعظام الصدر (1).
قوله تعالى: " إنه على رجعه لقادر " الرجع الإعادة، وضمير " إنه " له تعالى واكتفى بالاضمار مع أن المقام مقام الاظهار لظهوره نظير قوله: " خلق " مبنيا للمفعول.
والمعنى أن الذي خلق الانسان من ماء صفته تلك الصفة، على إعادته واحيائه بعد الموت - واعادته مثل بدئه - لقادر لان القدرة على الشئ قدرة على مثله إذ حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.
قوله تعالى: " يوم تبلى السرائر " ظرف للرجع، والسريرة ما أسره الانسان وأخفاه في نفسه، والبلاء الاختبار والتعرف والتصفح.
فالمعنى يوم يختبر ما أخفاه الانسان وأسره من العقائد وآثار الأعمال خيرها وشرها فيميز خيرها من شرها ويجزى الانسان به فالآية في معنى قوله تعالى: " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " البقرة: 284.
قوله تعالى: " فما له من قوة ولا ناصر " أي لا قدرة له في نفسه يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر له يدفع عنه ذلك أي لا قدرة هناك يدفع عنه الشر لا من نفسه ولا من غيره.
قوله تعالى: " والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع " إقسام بعد إقسام لتأكيد أمر القيامة والرجوع إلى الله.
والمراد بكون السماء ذات رجع ما يظهر للحس من سيرها بطلوع الكواكب بعد

(1) وقد أورد المراغي في تفسيره في ذيل الآية عن بعض الأطباء توجيها دقيقا علميا لهذه الآية من اراده فليراجعه.
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست