تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٥٩
على ما صدرت منها ليحاسب عليها يوم القيامة ويجزى بها فالحافظ هو الملك والمحفوظ العمل كما قال تعالى: " وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون " الانفطار: 12 ولا يبعد أن يكون المراد من حفظ النفس حفظ ذاتها وأعمالها، والمراد بالحافظ جنسه فتفيد أن النفوس محفوظة لا تبطل بالموت ولا تفسد حتى إذا أحيا الله الأبدان أرجع النفوس إليها فكان الانسان هو الانسان الدنيوي بعينه وشخصه ثم يجزيه بما يقتضيه أعماله المحفوظة عليه من خير أو شر.
ويؤيد ذلك كثير من الآيات الدالة على حفظ الأشياء كقوله تعالى: " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم " ألم السجدة: 11، وقوله: " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت " الزمر: 42.
ولا ينافي هذا الوجه ظاهر آية الانفطار السابقة من أن حفظ الملائكة هو الكتابة فإن حفظ نفس الانسان أيضا من الكتابة على ما يستفاد من قوله: " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " الجاثية: 29 وقد تقدمت الإشارة إليه.
ويندفع بهذا الوجه الاعتراض على ما استدل به على المعاد من اطلاق القدرة كما سيجئ، ومحصله أن اطلاق القدرة انما ينفع فيما كان ممكنا لكن إعادة الانسان بعينه محال فإن الانسان المخلوق ثانيا مثل الانسان الدنيوي المخلوق أولا لا شخصه الذي خلق أولا ومثل الشئ غير الشئ لا عينه.
وجه الاندفاع أن شخصية الشخص من الانسان بنفسه لا ببدنه والنفس محفوظة فإذا خلق البدن وتعلقت به النفس كان هو الانسان الدنيوي بشخصه وإن كان البدن بالقياس إلى البدن مع الغض عن النفس، مثلا لا عينا.
قوله تعالى: " فلينظر الانسان مم خلق " أي ما هو مبدء خلقه؟ وما هو الذي صيره الله إنسانا؟
والجملة متفرعة على الآية السابقة وما تدل عليه بفحواها بحسب السياق ومحصل المعنى وإذ كانت كل نفس محفوظة بذاتها وعملها من غير أن تفنى أو ينسى عملها فليذعن الانسان أن سيرجع إلى ربه ويجزي بما عمل ولا يستبعد ذلك ولينظر لتحصيل هذا الاذعان إلى مبدء خلقه ويتذكر أنه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب.
فالذي بدء خلقه من ماء هذه صفته يقدر على رجعه وإحيائه بعد الموت.
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»
الفهرست