تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٤٩
وقد قدم سبحانه على ذلك الإشارة إلى قصة أصحاب الأخدود، وفيه تحريض المؤمنين على الصبر في جنب الله تعالى، وأتبعها بالإشارة إلى حديث الجنود فرعون وثمود وفيه تطييب لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوعد النصر وتهديد للمشركين.
والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: " والسماء ذات البروج " البروج جمع برج وهو الامر الظاهر ويغلب استعماله في القصر العالي لظهوره على الناظرين ويسمى البناء المعمول على سور البلد للدفاع برجا وهو المراد في الآية لقوله تعالى: " ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم " الحجر: 17، فالمراد بالبروج مواضع الكواكب من السماء.
وبذلك يظهر أن تفسير البروج بالبروج الاثني عشر المصطلح عليها في علم النجوم غير سديد وفي الآية إقسام بالسماء المحفوظة بالبروج، ولا يخفى مناسبته لما سيشار إليه من القصة ثم الوعيد والوعد وسنشير إليه.
قوله تعالى: " واليوم الموعود " عطف على السماء وإقسام باليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي وعد الله القضاء فيه بين عباده.
قوله تعالى: " وشاهد ومشهود " معطوفان على السماء والجميع قسم بعد قسم على ما أريد بيانه في السورة وهو - كما تقدمت الإشارة إليه - الوعيد الشديد لمن يفتن المؤمنين والمؤمنات لايمانهم والوعد الجميل لمن آمن وعمل صالحا.
فكأنه قيل: أقسم بالسماء ذات البروج التي يدفع الله بها عنها الشياطين إن الله يدفع عن إيمان المؤمنين كيد الشياطين وأوليائهم من الكافرين، وأقسم باليوم الموعود الذي يجزى فيه الناس بأعمالهم، وأقسم بشاهد يشهد ويعاين أعمال أولئك الكفار وما يفعلونه بالمؤمنين لايمانهم بالله وأقسم بمشهود سيشهده الكل ويعاينونه إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، إلى آخر الآيتين.
ومن هنا يظهر أن الشهادة في " شاهد " و " مشهود " بمعنى واحد وهو المعاينة بالحضور، على أنها لو كانت بمعنى تأدية الشهادة لكان حق التعبير " ومشهود عليه " لأنها بهذا المعنى إنما تتعدى بعلى.
وعلى هذا يقبل " شاهد " الانطباق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشهادته أعمال أمته ثم يشهد عليها يوم القيامة، ويقبل " مشهود " الانطباق على تعذيب الكفار لهؤلاء المؤمنين وما فعلوا
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»
الفهرست