تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١١٢
النعيم " المطففين: 24، وقال: " ولقاهم نضرة وسرورا " الدهر: 11.
وقوله: " إلى ربها ناظرة " خبر بعد خبر لوجوه، و " إلى ربها " متعلق بناظرة قدم عليها لإفادة الحصر أو الأهمية.
والمراد بالنظر إليه تعالى ليس هو النظر الحسي المتعلق بالعين الجسمانية المادية التي قامت البراهين القاطعة على استحالته في حقه تعالى بل المراد النظر القلبي ورؤية القلب بحقيقة الايمان على ما يسوق إليه البرهان ويدل عليه الاخبار المأثورة عن أهل العصمة عليهم السلام وقد أوردنا شطرا منها في ذيل تفسير قوله تعالى: " قال رب أرني أنظر إليك " الأعراف:
143، وقوله تعالى: " ما كذب الفؤاد ما رأى " النجم: 11.
فهؤلاء قلوبهم متوجهة إلى ربهم لا يشغلهم عنه سبحانه شاغل من الأسباب لتقطع الأسباب يومئذ، ولا يقفون موقفا من مواقف اليوم ولا يقطعون مرحلة من مراحله إلا والرحمة الإلهية شاملة لهم " وهم من فزع يومئذ آمنون " النمل: 89 ولا يشهدون مشهدا من مشاهد الجنة ولا يتنعمون بشئ من نعيمها إلا وهم يشاهدون ربهم به لأنهم لا ينظرون إلى شئ ولا يرون شيئا إلا من حيث إنه آية لله سبحانه والنظر إلى الآية من حيث إنها آية ورؤيتها نظر إلى ذي الآية ورؤية له.
ومن هنا يظهر الجواب عما أورد على القول بأن تقديم " إلى ربها " على " ناظرة " يفيد الحصر والاختصاص، أن من الضروري أنهم ينظرون إلى غيره تعالى كنعم الجنة.
والجواب أنهم لما لم يحجبوا عن ربهم كان نظرهم إلى كل ما ينظرون إليه انما هو بما أنه آية، والآية بما أنها آية لا تحجب ذا الآية ولا تحول بينه وبين الناظر إليه فالنظر إلى الآية نظر إلى ذي الآية فهؤلاء لا ينظرون في الحقيقة إلا إلى ربهم.
وأما ما أجيب به عنه أن تقديم " إلى ربها " لرعاية الفواصل ولو سلم أنه للاختصاص فالنظر إلى غيره في جنب النظر إليه لا يعد نظرا، ولو سلم فالنظر إليه تعالى في بعض الأحوال لا في جميعها.
فلا يخلو من تكلف التقييد من غير مقيد على أنه أسند النظر إلى الوجوه لا إلى العيون أو الابصار ووجوه أهل الجنة إلى ربهم دائما من غير أن يواجهوا بها غيره.
قوله تعالى: " ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة " فسر البسور بشدة
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست