أقوله قولا من رب رحيم.
والظاهر أن السلام منه تعالى وهو غير سلام الملائكة المذكور في قوله: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقب الدار " الرعد: 24.
قوله تعالى: " وامتازوا اليوم أيها المجرمين " أي ونقول اليوم للمجرمين امتازوا من أصحاب الجنة وهو تمييزهم منهم يوم القيامة وإنجاز لما في قوله في موضع آخر:
" أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " ص: 28، وقوله: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم " الجاثية: 21.
قوله تعالى: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " العهد الوصية، والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس ويأمر به إذ لا طاعة إلا لله أو من أمر بطاعته، وقد علل النهى عن طاعته بكونه عدوا مبينا لان العدو لا يريد بعدوه خيرا.
وقيل: المراد بعبادته عبادة الالهة من دون الله وإنما نسبت إلى الشيطان لكونها بتسويله وتزيينه، وهو تكلف من غير موجب.
وإنما وجه الخطاب إلى المجرمين بعنوان أنهم بنو آدم لان عداوة الشيطان إنما نشبت أول ما نشبت بآدم حيث أمر أن يسجد له فأبى واستكبر فرجم ثم عاد ذريته بعداوته وأوعدهم كما حكاه الله تعالى إذ قال: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلا " أسرى: 62.
وأما عهده تعالى ووصيته إلى بني آدم أن لا يطيعوه فهو الذي وصاهم به بلسان رسله وأنبيائه وحذرهم عن اتباعه كقوله تعالى: " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة " الأعراف: 27: وقوله: " ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين " الزخرف: 62.
وقيل: المراد بالعهد عهده تعالى إليهم في عالم الذر حيث قال: ألست بربكم قالوا بلى ". وقد عرفت مما قدمناه في تفسير آية الذر أن العهد الذي هناك هو بوجه عين العهد الذي وجه إليهم في الدنيا.