الذي هو اللوح المحفوظ وإن توهم بعضهم أن المراد بكتابة ما قدموا وآثارهم هو إحصاؤها في الكتاب المبين وذلك أنه تعالى يثبت في كلامه كتابا يحصى كل شئ ثم لكل أمة كتابا يحصي أعمالهم ثم لكل إنسان كتابا يحصي أعماله كما قال:
" ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " الانعام: 59، وقال: " كل أمة تدعى إلى كتابها " الجاثية: 28، وقال: " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " أسرى: 13، وظاهر الآية أيضا يقضي بنوع من البينونة بين كتاب الأعمال والامام المبين حيث فرق بينهما بالخصوص والعموم واختلاف التعبير بالكتابة والاحصاء.
وقوله: " وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " هو اللوح المحفوظ من التغيير الذي يشتمل على تفصيل قضائه سبحانه في خلقه فيحصي كل شئ وقد ذكر في كلامه تعالى بأسماء مختلفة كاللوح المحفوظ وأم الكتاب والكتاب المبين والامام المبين كل منها بعناية خاصة.
ولعل العناية في تسميته إماما مبينا أنه لاشتماله على القضاء المحتوم متبوع للخلق مقتدى لهم وكتب الأعمال كما سيأتي في تفسير سورة الجاثية مستنسخة منه قال تعالى:
" هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " الجاثية: 29.
وقيل: المراد بالامام المبين صحف الأعمال وليس بشئ، وقيل: علمه تعالى وهو كسابقه نعم لو أريد به العلم الفعلي كان له وجه.
ومن عجيب القول في هذا المقام ما ذكره بعضهم أن الذي كتب في اللوح المحفوظ هو ما كان وما يكون إلى يوم القيامة لا حوادث العالم إلى أبد الآبدين وذلك أن اللوح عند المسلمين جسم وكل جسم متناهي الابعاد كما يشهد به الأدلة وبيان كل شئ فيه على الوجه المعروف عندنا دفعة مقتض لكون المتناهي ظرفا لغير المتناهي وهو محال بالبديهة فالوجه تخصيص عموم كل شئ والقول بأن المراد به الحوادث إلى يوم القيامة هذا.
وهو تحكم وسنتعرض له تفصيلا.
والآية في معنى التعليل بالنسبة إلى ما تقدمها كأنه تعالى يقول: ما أخبرنا به ووصفناه من حال أولئك الذين حق عليهم القول وهؤلاء الذين يتبعون الذكر ويخشون