ونقل عن بعضهم أنه فسر الزوال بالانتقال المكاني، والمعنى أن الله يمنع السماوات والأرض من أن ينتقل شئ منهما عن مكانه الذي استقر فيه فيرتفع أو ينخفض انتهى والشأن في تصور مراده تصورا صحيحا.
وقوله: " ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده " السياق يعطي أن المراد بالزوال ههنا الاشراف على الزوال إذ نفس الزوال لا يجتمع معه الامساك والمعنى وأقسم لئن أشرفتا على الزوال لم يمسكهما أحد من بعد الله سبحانه إذ لا مفيض للوجود غيره ويمكن أن يكون المراد بالزوال معناه الحقيقي والمراد بالامساك القدرة على الامساك وقد تبين أن " من " الأولى زائدة للتأكيد والثانية للابتداء، وضمير " من بعده " راجع إليه تعالى، وقيل: راجع إلى الزوال.
وقوله: " إنه كان حليما غفورا " فهو لحلمه لا يعجل إلى أمر ولمغفرة يستر جهات العدم في الأشياء، ومقتضى الاسمين أن يمسك السماوات والأرض أن تزولا إلى أجل مسمى.
وقال في إرشاد العقل السليم: إنه كان حليما غفورا غير معاجل بالعقوبة التي تستوجبها جناياتهم حيث أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هدا حسبما قال تعالى:
" تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض " انتهى.
قوله تعالى: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا " قال الراغب: الجهد - بفتح الجيم - والجهد - بضمها - الطاقة والمشقة - إلى أن قال - وقال تعالى: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم " أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم. انتهى.
وقال: النفر الانزعاج عن الشئ وإلى الشئ كالفزع إلى الشئ وعن الشئ يقال: نفر عن الشئ نفورا قال تعالى: " ما زادهم إلا نفورا ". انتهى.
قيل (1): بلغ قريشا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا: لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم انتهى، وسياق الآية يصدق هذا النقل ويؤيده.