قديرا " تتميم لسابق البيان لمزيد إنذارهم وتخويفهم، والمحصل ليتقوا الله وليؤمنوا به ولا يمكروا به ولا يكذبوا فإن سنة الله في ذلك هي العذاب كما يشهد به ما جرى في الأمم السابقة من الاهلاك والتعذيب وقد كانوا أشد قوة منهم والله سبحانه لا يعجزه شئ في السماوات والأرض بقوة أو مكر فإنه عليم على الاطلاق لا يغفل ولا يجهل حتى ينخدع بمكر أو حيلة قدير على الاطلاق لا يقاومه شئ.
قوله تعالى: " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " الخ.
المراد بالمؤاخذة المؤاخذة الدنيوية كما يدل عليه قوله الآتي: " ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى " الخ. والمراد بالناس جميعهم فإن الآية مسبوقة بذكر مؤاخذة بعضهم وهم الماكرون المكذبون بآيات الله، والمراد بما كسبوا المعاصي التي اكتسبوها بقرينة المؤاخذة التي هو العذاب وقد قال في نظيرة الآية من سورة النحل: " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة " النحل: 61.
والمراد بظهرها ظهر الأرض لان الناس يعيشون عليه على أن الأرض تقدم ذكرها في الآية السابقة.
والمراد بالدابة كل ما يدب في الأرض من إنسان ذكر أو أنثى أو كبير أو صغير واحتمل أن يكون المراد كل ما يدب في الأرض من حيوان وإهلاك غير الانسان من أنواع الحيوان إنما هو لكونها مخلوقة للانسان كما قال تعالى: " خلق لكم ما في الأرض جميعا " البقرة: 29.
وقول بعضهم: ذلك لشؤم المعاصي وقد قال تعالى: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " مدفوع بأن شؤم المعصية لا يتعدى العاصي إلى غيره وقد قال تعالى: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " فاطر: 18، وأما الآية أعني قوله: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " الأنفال: 25 فمدلولها على ما تقدم من تفسيرها اختصاص الفتنة بالذين ظلموا منهم خاصة لا عمومها لهم ولغيرهم فراجع.
وقوله: " ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى " وهو الموت أو القيامة وقوله: " فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا " أي فيجازي كلا بما عمل فإنه بصير بهم عليم بأعمالهم لأنهم عباده وكيف يمكن أن يجهل الخالق خلقه والرب عمل عبده؟