غرور بعضهم بعضا بوعد الشفاعة والزلفى فأسلافهم يغرون أخلافهم ورؤساؤهم وأئمتهم يغرون مرؤسيهم وتابعيهم ويعدونهم شفاعة الشركاء عند الله سبحانه ولا حقيقة لها.
وحجة الآية عامة على المشركين عبدة الأصنام وهم الذين يعبدون الملائكة والجن وقديسي البشر ويتخذون لهم أصناما يتوجهون إليها، وعلى الذين يعبدون روحانيي الكواكب ويتوجهون إلى الكواكب ثم يتخذون للكواكب أصناما، وعلى الذين يعبدون الملائكة والعناصر من غير أن يتخذوا لها أصناما كما ينقل عن الفرس القدماء، وعلى الذين يعبدون بعض البشر كالنصارى للمسيح عليه السلام.
قوله تعالى: " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده " الخ. قيل: إن الآية استئناف مقرر لغاية قبح الشرك وهوله أي أن الله تعالى يحفظ السماوات والأرض كراهة أن تزولا أو لئلا تزولا وتضمحلا لان الممكن كما يحتاج إلى الواجب حال إيجاده يحتاج إليه حال بقائه. انتهى.
والظاهر أنه تعالى لما استدل على توحده في الربوبية يجعل الخلافة في النوع الانساني بقوله: " هو الذي جعلكم خلائف في الأرض " الآية ثم نفى الشركة مطلقا بالحجة عمم الحجة بحيث تشمل الخلق كله أعني السماوات والأرض فاحتج على توحده بإبقاء الخلق بعد إحداثه فإن من البين الذي لا يرتاب فيه أن حدوث الشئ وأصل تلبسه بالوجود بعد العدم غير بقائه وتلبسه بالوجود بعد الوجود على نحو الاستمرار فبقاء الشئ بعد حدوثه يحتاج إلى إيجاد بعد إيجاد على نحو الاتصال والاستمرار.
وإبقاء الشئ بعد إحداثه كما أنه إيجاد بعد الايجاد كذلك هو تدبير لامره فإنك إن دققت النظر وجدت أن النظام الجاري في الكون إنما يجري بالاحداث والابقاء فقط. والموجد والخالق هو الله سبحانه حتى عند الخصم فالله سبحانه هو الخالق المدبر للسماوات والأرض وحده لا شريك له.
فقوله: " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا " الامساك بمعناه المعروف وقوله: " أن تزولا " - وتقديره كراهة أن تزولا أو لئلا تزولا - متعلق به، وقيل:
الامساك بمعنى المنع أو بمعنى الحفظ وعلى أي حال فالامساك كناية عن الابقاء وهو الايجاد بعد الايجاد على سبيل الاتصال والاستمرار، والزوال هو الاضمحلال والبطلان.