من الامر بالاعتبار في قوله: " أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم " وما أورد بعده من قصة موسى ومآل أمر المستكبرين المجادلين بالباطل ونصره تعالى للحق وأهله.
والمعنى: إذا كان الامر على ذلك فاصبر على إيذاء المشركين ومجادلتهم بالباطل إن وعد الله حق وسيفي لك بما وعد، والمراد بالوعد ما في قوله قبيل هذا: " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا " الآية من وعد النصر.
وقوله: " واستغفر لذنبك " أمر له بالاستغفار لما يعد بالنسبة إليه ذنبا وإن لم يكن ذنبا بمعنى المخالفة للامر المولوي لمكان عصمته صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تقدم كلام في معنى الذنب والمغفرة في أواخر الجزء السادس من الكتاب.
وللذنب المنسوب إليه صلى الله عليه وآله وسلم معنى آخر سنشير إليه في تفسير أول سورة الفتح إن شاء الله تعالى، وقيل: المراد بذنبه صلى الله عليه وآله وسلم ذنب أمته أعطي الشفاعة فيه.
وقوله: " وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار " أي نزهه سبحانه مصاحبا لحمده على جميل آلائه مستمرا متواليا بتوالي الأيام أو في كل صباح ومساء، وكونه بالعشي والابكار على المعنى الأول من قبيل الكناية.
وقيل: المراد به صلاتا الصبح والعصر، والآية مدنية.
وفيه أن المسلم من الروايات ومنها أخبار المعراج أن الصلوات الخمس فرضت جميعا بمكة قبل الهجرة فلو كان المراد به الفريضتين كان ذلك بمكة قبل فرض بقية الصلوات الخمس.
قوله تعالى: " إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه " الخ تأكيد لما تقدم في الآية السابقة من أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر وتطييب نفسه بتأييد وعد النصر، ومحصله أن هؤلاء المجادلين لا ينالون بغيتهم ولن ينالوا فلا يحزنك جدالهم وطب نفسا من ناحيتهم.
فقوله: " إن في صدورهم إلا كبر " حصر للسبب الموجب لمجادلتهم في الكبر أي ليس عاملهم في ذلك طلب الحق أو الارتياب في آياتنا والشك فيها حتى يريدوا بها