تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٤١
وهم يعدونها بحسبانهم مسارعة من الله سبحانه لهم في الخيرات.
قال في التفسير الكبير: وفيه يعني قوله: " أولئك يسارعون في الخيرات " وجهان:
أحدهما: أن المراد راغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها لئلا تفوت عن وقتها ولكيلا تفوتهم دون الاحترام.
والثاني: أنهم يتعجلون في الدنيا أنواع النفع ووجوه الاكرام كما قال: " فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة " " وآتيناه في الدنيا أجره وإنه في الآخرة لمن الصالحين " لانهم إذا سورع لهم بها فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها وهذا الوجه أحسن طباقا للآية المتقدمة لان فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين. انتهى.
أقول: إن الذي نفي عن الكفار في الآية المتقدمة هو مسارعة الله للكفار في الخيرات والذي أثبت للمؤمنين في هذه الآية هو مسارعة المؤمنين في الخيرات، والذي وجهه في هذا الوجه أن مسارعتهم في الخيرات مسارعة من الله سبحانه بوجه فيبقى عليه أن يبين الوجه في وضع مسارعتهم في الآية موضع مسارعته تعالى وتبديلها منها، ووجهه بعضهم بأن تغيير الأسلوب للايماء إلى كمال استحقاقهم لنيل الخيرات بمحاسن أعمالهم، وهو كما ترى.
والظاهر أن هذا التبديل إنما هو في قوله في الآية المتقدمة: " نسارع لهم في الخيرات " والمراد بيان أنهم يحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين خيرات يتسارعون إليها لكرامتهم وهم كافرون لكن لما كان ذلك بإعطاء من الله تعالى لا بقدرتهم عليها من أنفسهم نسبت المسارعة إليه تعالى ثم نفيت بالاستفهام الانكاري، وأثبت ما يقابله على الأصل للمؤمنين.
فمحصل هذا النفي والاثبات أن المال والبنين ليست خيرات يتسارعون إليها ولا هم مسارعون إلى الخيرات بل الأعمال الصالحة وآثارها الحسنة هي الخيرات والمؤمنون هم المسارعون إلى الخيرات.
قوله تعالى: " ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون " الذي يعطيه السياق أن في الآية ترغيبا وتحضيضا على ما ذكره من صفات المؤمنين ودفعا لما ربما ينصرف الناس بتوهمه عن التلبس بكرامتها من وجهين أحدهما
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»
الفهرست