تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٤٩
قوله تعالى: " ولقد آتينا داود وسليمان علما " الخ، في تنكير العلم إلى تفخيم أمره ومما أشير فيه إلى علم داود من كلامه تعالى قوله: " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب " ص: 20. ومما أشير فيه إلى علم سليمان قوله: " ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما " الأنبياء: 79، وذيل الآية، يشملهما جميعا وقوله: " وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين " المراد بالتفضيل إما التفضيل بالعلم على ما ربما يؤيده سياق الآية وإما التفضيل بمطلق ما خصهما الله به من المواهب كتسخير الجبال والطير لداود وتليين الحديد له وإيتائه الملك، وتسخير الجن والوحش والطير وكذا الريح لسليمان وتعليمه منطق الطير وإيتائه الملك على ما يستدعيه إطلاق التفضيل.
والآية أعني قوله: " وقالا الحمد لله " الخ، على أي حال بمنزلة حكاية اعترافهما على التفضيل الإلهي فيكون كالشاهد على المدعى الذي تشير إليه بشارة صدر السورة أن الله سبحانه سيخص المؤمنين بما تقربه عيونهم ومثلها ما سيأتي من إعترافات سليمان في مواضع من كلامه.
قوله تعالى: " وورث سليمان داود " الخ، أي ورثه ماله وملكه، وأما قول بعضهم: المراد به وراثة النبوة والعلم ففيه أن النبوة لا تقبل الوراثة لعدم قبولها الانتقال، والعلم وإن قبل الانتقال بنوع من العناية غير أنه إنما يصح في العلم الفكري الاكتسابي والعلم الذي يختص به الأنبياء والرسل كرامة من الله لهم وهبي ليس مما يكتسب بالفكر فغير النبي يرث العلم من النبي لكن النبي لا يرث علمه من نبي آخر ولا من غير نبي.
وقوله: " وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير " ظاهر السياق أنه عليه السلام يباهي عن نفسه وأبيه وهو منه عليه السلام تحديث بنعمة الله كما قال تعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث " الضحى: 11، وأما إصرار بعض المفسرين على أن الضمير في قوله:
" علمنا " و " أوتينا " لنفسه لا له ولأبيه على ما هو عادة الملوك والعظماء في الاخبار عن أنفسهم - فإنهم يخبرون عنهم وعن خدمهم وأعوانهم رعاية لسياسة الملك - فالسياق السابق لا يساعد عليه كل المساعدة.
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست