الاتيان من فوق، ووادي النمل واد بالشام على ما قيل، وقيل: في أرض الطائف، وقيل: في أقصى اليمن، والحطم الكسر.
والمعنى: فلما سار سليمان وجنوده حتى أعلى وادي النمل قالت نملة مخاطبة لسائر النمل: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يكسرنكم سليمان وجنوده أي لا يطأنكم بأقدامهم وهم لا يشعرون. وفيه دليل على أنهم كانوا يسيرون على الأرض.
قوله تعالى: " فتبسم ضاحكا من قولها " إلى آخر الآية، قيل: التبسم دون الضحك، وعلى هذا فالمراد بالضحك هو الاشراف عليه مجازا.
ولا منافاة بين قوله عليه السلام: " علمنا منطق الطير " وبين فهمه كلام النملة إذ لم ينف فهمه كلام سائر الحيوان أو كلام بعضها كالنملة.
وقد تسلم جمع منهم دلالة قوله: " علمنا منطق الطير " على نفي ما عداه فتكلفوا في توجيه فهمه عليه السلام قول النملة تارة بأنه كانت قضية في واقعة، وأخرى بتقدير أنها كانت نملة ذات جناحين وهي من الطير، وثالثة بأن كلامها كان من معجزات سليمان عليه السلام، ورابعة بأنه عيه السلام لم يسمع منها صوتا قط وإنما لهم ما في نفس النملة إلهاما من الله تعالى هذا.
وما تقدم من معنى منطق الحيوان يزاح به هذه الأوهام. على أن سياق الآيات وحده كاف في دفعها.
وقوله: " وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه " الايزاع الالهام. تبسم عليه السلام مبتهجا مسرورا بما أنعم الله عليه حتى أوقفه هذا الموقف وهي النبوة والعلم بمنطق الحيوان والملك والجنود من الجن والإنس والطير فسأل الله أن يلهمه شكر نعمته وأن يعمل بما فيه رضاه سبحانه.
وقد جعل الشكر للنعمة التي أنعم الله تعالى بها على نفسه مختصة به، وللنعمة التي أنعم بها على والديه فإن الانعام على والديه إنعام عليه بوجه لكونه منهما وقد أنعم الله تعالى على أبيه داود بالنبوة والملك والحكمة وفصل الخطاب وغيرها وأنعم على أمه حيث زوجها من داود النبي ورزقها سليمان النبي وجعلها من أهل بيت النبوة.