وفي الآية حذف وإيجاز تفصح عنه الفاء الفصيحة في قوله: " فلما رآها تهتز " والتقدير وألق عصاك فلما ألقاها إذا هي ثعبان مبين يهتز كأنه جان ولما رآها تهتز الخ.
ولا منافاة بين صيرورة العصا ثعبانا مبينا كما وقع في قصته عليه السلام من سورتي الأعراف والشعراء - والثعبان الحية العظيمة الجثة وبين تشبيهها في هذه السورة بالجان فإن التشبيه إنما وقع في الاهتزاز وسرعة الحركة والاضطراب حيث شاهد العصا وقد تبدلت ثعبانا عظيم الجثة هائل المنظر يهتز ويتحرك بسرعة اهتزاز الجان وتحركه بسرعة وليس تشبيها لنفس العصا أو الثعبان بنفس الجان.
وقيل: إن آية العصا كانت مختلفة الظهور فقد ظهرت العصا لأول مرة في صورة الجان كما وقع في سورة طه: " فألقاها فإذا هي حية تسعى " آية 20 من السورة ثم ظهرت لما ألقاها عند فرعون في صورة ثعبان مبين كما في سورتي الأعراف والشعراء.
وفيه أن هذا الوجه وإن كان لا يخلو بالنظر إلى سياق الآيات عن وجاهة لكنه لا يندفع به إشكال تشبيه الشئ بنفسه أو عدم تبدلها حية فالمعول في دفع الاشكال على ما تقدم.
قوله تعالى: " يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون " حكاية نفس الخطاب الصادر هناك وهو في معنى قال الله يا موسى لا تخف " الخ ".
وقوله: " لا تخف " نهي مطلق يؤمنه عن كل ما يسوء مما يخاف منه ما دام في حضرة القرب والمشافهة سواء كان المخوف منه عصا أو غيرها ولذا علل النهي بقوله:
" إني لا يخاف لدي المرسلون فإن تقييد النفي بقوله: " لدي " يفيد أن مقام القرب والحضور يلازم الامن ولا يجامع مكروها يخاف منه، ويؤيده تبديل هذه الجملة في القصة من سورة القصص من قوله: " إنك من الآمنين " فيتحصل المعنى: لا تخف من شئ إنك مرسل والمرسلون - وهم لدي في مقام القرب - في مقام الامن ولا خوف مع الامن.
وأما فرار موسى عليه السلام من العصا وقد تصورت بتلك الصورة الهائلة وهي تهتز كأنها جان فقد كان جريا منه على ما جبل الله الطبيعة الانسانية عليه إذا فاجأه من المخاطر ما لا سبيل له إلى دفعه عن نفسه إلا الفرار وقد كان أعزل لا سلاح معه إلا