عصاه وهي التي يخافها على نفسه ولم يرد عليه من جانبه تعالى أمر سابق يلزم مكانه أو نهي عن الفرار مما يخافه على نفسه إلا قوله تعالى: " وألق عصاك " وقد امتثله، وليس الفرار من المخاطر العظيمة التي لا دافع لها إلا الفرار، من الجبن المذموم حتى يذم عليه.
وأما أن الأنبياء والمرسلين لا يخافون شيئا وهم عند ربهم - على ما يدل عليه قوله: " إني لا يخاف لدي المرسلون " - فهم لا يملكون هذه الكرامة من عند أنفسهم بل إنما ذلك بتعليم من الله وتأديب وإذ كان موقف ليلة الطور أول موقف من موسى قربه الله إليه فيه وخصه بالتكليم وحباه بالرسالة والكرامة فقوله: " لا تخف إنك من الآمنين " وقوله: " لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون " تعليم وتأديب إلهي له عليه السلام.
فتبين بذلك أن قوله: " لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون " تأديب وتربية إلهية لموسى عليه السلام وليس من التوبيخ والتأنيب في شئ قوله تعالى: " إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم " الذي ينبغي أن يقال - والله أعلم - أن الآية السابقة لما أخبرت عن أن المرسلين آمنون لا يخافون فهم منه أن غيرهم من أهل الظلم غير آمنين لهم أن يخافوا استدرك في هذه الآية حال أهل التوبة من جملة أهل الظلم فبين أنهم لتوبتهم وتبديلهم ظلمهم - وهو السوء - حسنا بعد سوء مغفور لهم مرحومون فلا يخافون أيضا.
فالاستثناء من المرسلين وهو استثناء منقطع والمراد بالظلم مطلق المعصية وبالحسن بعد السوء التوبة بعد المعصية أو العمل الصالح بعد السئ، والمعنى: لكن من ظلم باقتراف المعصية ثم بدل ذلك حسنا بعد سوء وتوبة بعد معصية أو عملا صالحا بعد سئ فإني غفور رحيم اغفر ظلمه وارحمه فلا يخافن بعد ذلك شيئا.
قوله تعالى: " وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء الخ، فسر السوء بالبر ص وقد تقدم، وقوله: " في تسع آيات إلى فرعون وقومه " يمكن أن يستظهر من السياق أولا أن " في تسع " حال من الآيتين جميعا، والمعنى: آتيتك هاتين الآيتين - العصا واليد - حال كونهما في تسع آيات.
وثانيا: أن الآيتين من جملة الآيات التسع، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: