تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٥٣
ورد بأن معنى كون علمه تعالى تابعا للمعلوم أن علمه سبحانه في الأزل بمعلوم معين حادث تابع لماهيته بمعنى أن خصوصية العلم وامتيازه عن سائر العلوم باعتبار أنه علم بهذه الماهية، وأما وجود الماهية فيما لا يزال فتابع لعلمه تعالى الأزلي التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصية لزم أن يتحقق ويوجد فيما لا يزال كذلك فنفس موتهم على الكفر وعدم إيمانهم متبوع لعلم الأزلي ووقوعه تابع له. انتهى.
وهذه حجة كثيرة الورود في كلام المجبرة وخاصة الإمام الرازي في تفسيره الكبير يستدلون بها على إثبات الجبر ونفي الاختيار ومحصلها أن الحوادث ومنها أفعال الانسان معلومة لله سبحانه في الأزل فهي ضرورية الوقوع وإلا كان علمه جهلا - تعالى عن ذلك - فالانسان مجبر عليها غير مختار. واعترض عليه بأن العلم تابع للمعلوم لا بالعكس وأجيب بما ذكره من أن علمه في الأزل تابع الماهية المعلوم لكن المعلوم تابع في وجوده للعلم.
والحجة مضافا إلى فساد مقدماتها بناء ومبنى مغالطة بينة. ففيها أولا أن فرض ثبوت ما للماهية في الأزل ووجودها فيها لا يزال يقضي بتقدم الماهية على الوجود وأني للماهية هذه الأصالة والتقدم؟
وثانيا: أن مبنى الحجة وكذا الاعتراض والجواب على كون علمه تعالى بالأشياء علما حصوليا نظير علومنا الحصولية المتعلقة بالمفاهيم وقد أقيم البرهان في محله على بطلانه وأن الأشياء معلومة له تعالى علما حضوريا وعلمه علمان: علم حضوري بالأشياء قبل الايجاد وهو عين الذات وعلم حضوري بها بعد الايجاد وهو عين وجود الأشياء.
وتفصيل الكلام في محله.
وثالثا: أن العلم الأزلي بمعلومه فيما لا يزال إنما يكون علما بحقيقة معنى العلم إذا تعلق به على ما هو عليه أي بجميع قيوده ومشخصته وخصوصياته الوجودية، ومن خصوصيات وجود الفعل أنه حركات خاصة إرادية اختيارية صادرة عن فاعله الخاص مخالفة لسائر الحركات الاضطرارية القائمة بوجوده.
وإذا كان كذلك كانت الضرورة اللاحقة للفعل من جهة تعلق العلم به صفة
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»
الفهرست