منهم غير هؤلاء. على أن هذا القول لا دليل له.
وقول من قال إن الرسول من كان له كتاب والنبي بخلافه وقول من قال:
إن الرسول من له كتاب ونسخ في الجملة والنبي بخلافه، ويرد على القولين نظير ما ورد على القول الأول.
وفي قوله: " فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته " التفات من التكلم بالغير إلى الغيبة والوجه فيه العناية بذكر لفظ الجلالة وإسناد النسخ والاحكام إلى من لا يقوم له شئ، ولذلك بعينه أعاد لفظ الجلاله ثانيا مع أنه من وضع الظاهر موضع المضمر ومنه أيضا أعاده لفظ الشيطان ثانيا دون ضميره ليشار إلى أن الملقى هو الشيطان الذي لا يعبؤ به وبكيده في قباله تعالى، وكان الظاهر أن يقال: فينسخ ما يلقيه ثم يحكم آياته.
قوله تعالى: " ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم " الخ، مرض القلب عدم استقامة حاله في التعقل بأن لا يذعن بما من شأنه أن يذعن به من الحق وهو الشك والارتياب وقساوة القلب صلابته وغلظه مأخوذ من الحجر القاسي أي الصلب. وصلابته بطلان عواطفه الرقيقة المعينة في إدراك المعاني الحقة كالخشوع والرحمة والتواضع والمحبة فالقلب المريض سريع التصور للحق بطئ الاذعان به، والقلب القسي بطيئهما معا، وكلاهما سريع القبول للوساوس الشيطانية.
والالقاءات الشيطانية التي تفسد الأمور على الحق وأهله وتبطل مساعي الرسل والأنبياء دون أن تؤثر أثرها وإن كانت مستندة إلى الشيطان نفسه لكنها كسائر الآثار لما كانت واقعة في ملكه تعالى، ولا يقع أثر من مؤثر أو فعل من فاعل إلا باذنه، ولا يقع شئ بإذنه إلا استند إليه استنادا ما بمقدار الاذن، ولا يستند إليه إلا ما فيه خير لا يخلو من مصلحه وغاية.
لذا ذكر سبحانه في هذه الآية أن لهذه الالقاءات الشيطانية مصلحة وهي أنها محنة يمتحن بها الناس عامة والامتحان من النواميس الإلهية العامة الجارية في العالم الانساني ويتوقف عليه تلبس السعيد بسعادته والشقي بشقائه، وفتنة يفتتن بها الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم خاصة فإن تلبس الأشقياء بكمال شقائهم من التربية الإلهية المقصودة في نظام الخلقة، قال تعالى: " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك