وليس المراد بهم خصوص المهاجرين بأعيانهم سواء كانت الآيات مكية أو مدنية وإن كان المذكور من جهة المظلومية هو إخراجهم من ديارهم وذلك لمنافاته عموم الموصوف المذكور في صدر الآيات وعموم حكم الجهاد لهم ولغيرهم قطعا.
على أن المجتمع الصالح الذي عقد لأول مرة في المدينة ثم انبسط فشمل عامة جزيرة العرب في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أفضل مجتمع متكون في تاريخ الاسلام تقام فيه الصلاة وتؤتى فيه الزكاة وتؤمر فيه بالمعروف وتنهى فيه عن المنكر مشمول للآية قطعا وكان السبب الأول ثم العامل الغالب فيه الأنصار دون المهاجرين.
ولم يتفق في تاريخ الاسلام للمهاجرين، خاصة أن يعقدوا وحدهم مجتمعا من غير شركة من الأنصار فيقيموا الحق ويميطوا الباطل فيه اللهم إلا أن يقال: إن المراد بهم أشخاص الخلفاء الراشدين أو خصوص علي عليه السلام على الخلاف بين أهل السنة والشيعة، وفي ذلك إفساد معنى جميع الآيات.
على أن التاريخ يضبط من أعمال الصدر الأول وخاصة المهاجرين منهم أمورا لا يسعنا أن نسميها إحياء للحق وإماتة للباطل سواء قلنا بكونهم مجتهدين معذورين أم لا فليس المراد توصيف أشخاصهم بل المجموع من حيث هو مجموع.
وقوله: " ولله عاقبة الأمور " تأكيد لما تقدم من الوعد بالنصر وإظهار المؤمنين على أعداء الدين الظالمين لهم.
قوله تعالى: " وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح - إلى قوله - فكيف كان نكير " فيه تعزية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تكذيب قومه له ليس ببدع فقد كذبت أمم قبلهم لأنبيائهم. وإنذار وتخويف للمكذبين بالإشارة إلى ما انتهى إليه تكذيب من قبلهم من الأمم وهو الهلاك بعذاب من الله تعالى.
وقد عد من تلك الأمم قوم نوح وعادا وهم قوم هود وثمود وهم قوم صالح وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وهم قوم شعيب، وذكر تكذيب موسى. قيل:
ولم يقل وقوم موسى لان قومه بنو إسرائيل وكانوا آمنوا به، وإنما كذبه فرعون وقومه.
وقوله: " فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير " الاملاء الامهال وتأخير الاجل، والنكير الانكار، والمعنى فأمهلت الكافرين - الذين كذبوا رسلهم