تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٩٤
أن الامر حق لأنه هاد يريد أن يهديهم فيهديهم بهذا التعليم إلى صراط مستقيم.
قوله تعالى: " ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم " الخ الآية - كما ترى - تخبر عن حرمان هؤلاء الذين كفروا من الايمان مدى حياتهم فليس المراد بهم مطلق الكفار لقبول بعضهم الايمان بعد الكفر فالمراد به عدة من صناديد قريش الذين لم يوفقوا للايمان ما عاشوا كما في قوله: " إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " البقرة: 6.
وعقم اليوم كونه بحيث لا يخلف يوما بعده وهو يوم الهلاك أو يوم القيامة، والمراد به في الآية على ما يعطيه سياق الآية الثالثة يوم القيامة.
والمعنى ويستمر الذين كفروا فشك من القرآن حتى يأتيهم يوم القيامة أو يأتيهم عذاب يوم القيامة وهو يوم يأتي بغتة لا يمهلهم حتى يحتالوا له بشئ ولا يخلف بعده يوما حتى يقضى فيه ما فات قبله.
وإنما ردد بين يوم القيامة وبين عذابه لانهم يعترفون عند مشاهده كل منهما بالحق ويطيح عنهم الريب والمرية قال تعالى: " قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " يس: 52 وقال: " ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا " الأحقاف: 34.
وقد ظهر بما تقدم أن تقييد اليوم تارة بكونه بغتة وتارة بالعقم للدلالة على كونه بحيث لا ينفع معها حيلة ولا يقع بعدها تدارك لما فات قبله.
قوله تعالى: " الملك يومئذ لله يحكم بينهم - إلى قوله - عذاب مهين " قد تقدم مرارا أن المراد بكون الملك يومئذ لله، ظهور كون الملك له تعالى لان الملك له دائما وكذا ما ورد من نظائره من أوصاف يوم القيامة في القرآن ككون الامر يومئذ لله وكون القوة يومئذ لله وهكذا.
ولسنا نعني به أن المراد بالملك مثلا في الآية ظهور الملك مجازا بل نعني به أن الملك قسمان ملك حقيقي حق وملك مجازى صوري، وللأشياء ملك مجازي صوري ملكها الله ذلك وله تعالى مع ذلك الملك الحق بحقيقة معناه حتى إذا كان يوم القيامة ارتفع كل ملك صوري عن الشئ المتلبس به ولم يبق من الملك إلا حقيقته وهو لله وحده فمن خاصة يوم القيامة أن الملك يومئذ لله وعلى هذا القياس.
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»
الفهرست