تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٩٣
وما كان عطاء ربك محظورا " أسرى: 20.
وهذا معنى قوله: ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم " فاللام في " ليجعل " للتعليل يعلل بها إلقاء الشيطان في أمنية الرسول والنبي أي يفعل الشيطان كذا ليفعل الله كذا ومعناه أنه مسخر لله سبحانه لغرض امتحان العباد وفتنة أهل الشك والجحود وغرورهم. وقد تبين أن المراد بالفتنة الابتلاء والامتحان الذي ينتج الغرور والضلال وبالذين في قلوبهم مرض أهل الشك من الكفار وبالقاسية قلوبهم أهل الجحود والعناد منهم.
وقوله: " وإن الظالمين لفي شقاق بعيد " الشقاق والمشاقة المباينة والمخالفة وتوصيفه بالبعد توصيف له بحال موصوفه، والمعنى: وإن الظالمين - وهم أهل الجحود على ما يعطيه السياق أو هم وأهل الشك جميعا - لفي مباينة ومخالفة بعيد صاحبها من الحق وأهله.
قوله تعالى: " وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم " الخ، المتبادر من السياق أنه عطف على قوله: " ليجعل " وتعليل لقوله:
" فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته " والضمير في " أنه " على هذا لما يتمناه الرسول والنبي المفهوم من قوله: " إذا تمنى " الخ، ولا دليل على إرجاعه إلى القرآن.
والمعنى: فينسخ الله ما يلقيه الشيطان ثم يحكم آياته ليعلم الذين أوتوا العلم بسبب ذاك النسخ والاحكام أن ما تمناه الرسول أو النبي هو الحق من ربك لبطلان ما يلقيه الشيطان فيؤمنوا به فتخبت أي تلين وتخشع له قلوبهم.
ويمكن أن يكون قوله: " وليعلم " معطوفا على محذوف ومجموع المعطوف والمعطوف عليه تعليلا لما بينه في الآية السابقة من جعله تعالى هذا الالقاء فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم.
والمعنى: إنما بينا هذه الحقيقة لغاية كذا وكذا وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك " الخ " على حد قوله: " وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا " آل عمران: 140، وهو كثير الورود في القرآن.
وقوله: " إن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم " في مقام التعليل لكون علم الذين أوتوا العلم غاية مترتبة على فعله تعالى فيفيد أنه تعالى إنما فعل ما فعل ليعلموا
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»
الفهرست