تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٤٠٠
عقابا لأنه يأتي عقيب الفعل.
والعقاب بمثل العقاب كناية عن المعاملة بالمثل ولما لم يكن هذه المعاملة بالمثل حسنا إلا فيما كان العقاب الأول من غير حق قيده بكونه بغيا فعطف قوله: " بغي عليه " بثم عليه.
وقوله: " لينصرنه الله " ظاهر السياق - والمقام مقام الاذن في الجهاد - أن المراد بالنصر هو إظهار المظلومين على الظالمين الباغين وتأييدهم عليهم في القتال لكن يمكن أن يستظهر من مثل قوله: " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " أسرى: 33 أن المراد بالنصر هو تشريع حكم للمظلوم يتدارك به ما وقع عليه من وصمة الظلم والبغي فإن في إذنه أن يعامل الظالم الباغي عليه بمثل ما فعل بسطا ليده على من بسط عليه اليد.
وبهذا يتضح معنى تعليل النصر بقوله: " إن الله لعفو غفور " فإن الاذن والإباحة في موارد الاضطرار والحرج وما شابه ذلك من مقتضيات صفتي العفو والمغفرة كما تقدم مرارا في أمثال قوله تعالى: " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم " المائدة 3 وقد أوضحنا ذلك في المجازاة والعفو في آخر الجزء السادس من الكتاب.
والمعنى - على هذا - ومن عامل من عاقبة بغيا عليه بمثل ما عاقب نصره الله بإذنه فيه ولم يمنعه عن المعاملة بالمثل لان الله عفو غفور يمحو ما تستوجبه هذه المعاملة والانتقام من المساءة والتبعة كأن العقاب وإيصال المكروه إلى الناس مبغوض في نظام الحياة غير أن الله سبحانه يمحو ما فيه من المبغوضية ويستر على أثره السئ إذا كان عقابا من مظلوم لظالمه الباغي عليه بمثل ما بغي عليه، فيجيز له ذلك ولا يمنعه بالتحريم والحظر.
وبذلك يظهر أيضا مناسبة ذكر وصف الحلم في آخر الآية السابقة - إن الله لعليم حليم - ويظهر أيضا أن " ثم " في قوله: " ثم بغي عليه " للتراخي بحسب الذكر لا بحسب الزمان.
وأما ما أوردوه في معنى الآية ومن جازى الجاني بمثل ما جنى به عليه ثم
(٤٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 ... » »»
الفهرست