تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٤١١
حملة الوحي من الرسل بعينه وبمشهد منه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وهو بالمرصاد.
ومن هنا يظهر أن المراد بما بين أيديهم هو ما بينهم وبين من يؤدون إليه فما بين أيدي الرسول الملكي هو ما بينه وبين الرسول الانساني وما بين يدي الرسول الانساني هو ما بينه وبين الناس، والمراد بما خلفهم هو ما بينهم وبين الله سبحانه والجميع سائرون من جانب الله إلى الناس.
فالوحي في مأمن إلهي منذ يصدر من ساحة العظمة والكبرياء إلى أن يبلغ الناس ولازمه أن الرسل معصومون في تلقي الوحي ومعصومون في حفظه ومعصومون في إبلاغه للناس.
وقوله: " وإلى الله ترجع الأمور في مقام التعليل لعلمه بما بين أيديهم وما خلفهم أي كيف يخفى عليه شئ من ذلك؟ واليه يرجع جميع الأمور وإذ ليس هذا الرجوع رجوعا زمانيا حتى يجوز معه خفاء حاله قبل الرجوع وإنما هو مملوكية ذاته له تعالى فلا استقلال له منه ولا خفاء فيه له فافهم ذلك.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " الامر بالركوع والسجود أمر بالصلاة ومقتضى المقابلة أن يكون المراد بقوله: " واعبدوا ربكم " الامر بسائر العبادات المشرعة في الدين كالحج والصوم ويبقى " لقوله: " وافعلوا الخير " سائر الأحكام والقوانين المشرعة فإن في إقامتها والعمل بها خير المجتمع وسعادة الافراد وحياتهم كما قال: " استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " الأنفال - 24.
وفي الآية أمر بإجماع الشرائع الاسلامية من عبادات وغيرها.
قوله تعالى: " وجاهدوا في الله حق جهاده " إلى آخر الآية. الجهاد بذل الجهد واستفراغ الوسع في مدافعة العدو، ويطلق في الأكثر على المدافعة بالقتال لكن ربما يتوسع في معنى العدو حتى يشمل كل ما يتوقع منه الشر كالشيطان الذي يضل الانسان والنفس الامارة بالسوء وغير ذلك فيطلق اللفظ على مخالفة النفس في هواها والاجتناب عن طاعة الشيطان في وسوسته، وقد سمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخالفة النفس جهادا أكبر.
والظاهر أن المراد بالجهاد في الآية هو المعنى الأعم وخاصة بالنظر إلى تقييده
(٤١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 » »»
الفهرست