بغي عليه بالمعاودة إلى العقاب لينصرنه الله على من بغي عليه إن الله لعفو غفور لمن ارتكبه من العقاب إذ كان تركا للأولى لان الأولى هو الصبر والعفو عن الجاني كما قال تعالى: وأن تعفوا أقرب للتقوى "، وقال: " فمن عفى وأصلح فأجره على الله "، وقال: " ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور " الشورى: 43.
ففيه أولا: أنه لما أخذت " ثم " للتراخي بحسب الزمان أفاد كون العقاب غير البغي ومطلق العقاب أعم من أن يكون جناية، وعمومها للجناية وغيرها يفسد معنى الكلام، وإرادة خصوص الجناية منه - كما فسر - إرادة معنى لا دليل عليه من جهة اللفظ.
وثانيا: أنه فسر النصرة بالنصرة التكوينية دون التشريعية فكان إخبارا عن نصره تعالى المظلوم على الظالم إذا قابله بالمجازاة على جنايته ثم بغيه والواقع ربما يتخلف عن ذلك.
وثالثا: أن قتال المشركين والجهاد في سبيل الله من مصاديق هذه الآية قطعا، ولازم ما ذكر أن يكون تركه بالعفو عنهم أولى من فعله وهو واضح الفساد.
قوله تعالى: " ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير " إيلاج كل من الليل والنهار في الاخر حلوله محل الاخر كورود ضوء الصباح على ظلمة الليل كشئ يلج في شئ ثم اتساعه وإشغال النهار من الفضاء ما أشغله الليل، وورود ظلمة المساء على نور النهار كشئ يلج في شئ ثم اتساعها وشمول الليل.
والمشار إليه بذلك - بناء على ما تقدم من معنى النصر - ظهور المظلوم بعقابه على الظالم الباغي عليه، والمعنى أن ذلك النصر بسبب أن من سنة الله أن يظهر أحد المضادين والمتزاحمين على الاخر كما يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وإن الله سميع لأقوالهم بصير بأعمالهم فينصر المظلوم وهو مهضوم الحق بعينه وما يسأله بلسان حاله في سمعه.
وذكر في معنى الآية وجوه أخر غير منطبقة على السياق رأينا الصفح عن ذكرها أولى.