تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٥٠
تقدم في الآية السابقة من الايعاد بالخزي والعذاب، والباء في " بما قدمت " للمقابلة كقولنا بعت هذا بهذا أو للسببية أي إن الذي تشاهده من الخزي والعذاب جزاء ما قدمت يداك أو بسبب ما قدمت يداك من المجادلة في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب معرضا مستكبرا لا ضلال الناس وفي الكلام التفات من الغيبة إلى الخطاب لتسجيل اللوم والعتاب.
وقوله: " وأن الله ليس بظلام للعبيد " معطوف على " ما قدمت " أي ذلك لان الله لا يظلم عباده بل يعامل كلا منهم بما يستحقه بعمله ويعطيه ما يسأله بلسان حاله.
قوله تعالى: " ومن الناس من يعبد الله على حرف " إلى آخر الآية الحرف والطرف والجانب بمعنى، والاطمئنان: الاستقرار والسكون، والفتنة - كما قيل - المحنة والانقلاب الرجوع.
وهذا صنف آخر من الناس غير المؤمنين الصالحين وهو الذي يعبد الله سبحانه بانيا عبادته على جانب واحد دون كل جانب وعلى تقدير لا على كل تقدير وهو جانب الخير ولازمه استخدام الدين للدنيا فإن أصابه خير استقر بسبب ذلك الخير على عبادة الله واطمأن إليها، وأن أصابته فتنة ومحنة انقلب ورجع على وجهه من غير أن يلتفت يمينا وشمالا وأرتد عن دينه تشؤما من الدين أو رجاء أن ينجو بذلك من المحنة والمهلكة وكان ذلك دأبهم في عبادتهم الأصنام فكانوا يعبدونها لينالوا بذلك الخير أو ينجو من الشر بشفاعتهم في الدنيا وأما الآخرة فما كانوا يقولون بها فهذا المذبذب المنقلب على وجهه خسر الدنيا بوقوعه في المحنة والمهلكة، وخسر الآخرة بانقلابه عن الدين على وجهه وارتداده وكفره ذلك هو الخسران المبين.
هذا ما يعطيه التدبر في معنى الآية، وعليه فقوله: " يعبد الله على حرف " من قبيل الاستعارة بالكناية، وقوله: " فإن أصابه خير " الخ. تفسير لقوله: " يعبد الله على حرف " وتفصيل له، وقوله: خسر الدنيا " أي بإصابة الفتنة وقوله: " والآخرة " أي بانقلابه على وجهه.
قوله تعالى: " يدعوا من دون الله ما لا يضره ما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد " المدعو هو الصنم فإنه لفقده الشعور والإرادة لا يتوجه منه إلى عابده نفع أو
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»
الفهرست