تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٤٩
وهو كذلك بدليل قوله هنا ذيلا: " ليضل عن سبيل الله " وقوله هناك: " ويتبع كل شيطان مريد " والاضلال من شأن المقلد بفتح اللام والاتباع من شان المقلد بكسر اللام.
والترديد في الآية بين العلم والهدى والكتاب مع كون كل من العلم والهدى يعم الآخرين دليل على أن المراد بالعلم علم خاص وبالهدى هدى خاص فقيل: أن المراد بالعلم العلم الضروري وبالهدى الاستدلال والنظر الصحيح الهادي إلى المعرفة وبالكتاب المنير الوحي السماوي المظهر للحق.
وفيه أن تقييد العلم بالضروري وهو البديهي لا دليل عليه. على أن الجدال سواء كان المراد به مطلق الاصرار في البحث أو الجدل المصطلح وهو القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات من طرق الاستدلال ولا استدلال على ضروري البتة.
ويمكن أن يكون المراد بالعلم ما تفيده الحجة العقلية وبالهدى ما تفيضه الهداية الإلهية لمن أخلص لله في عبادته وعبوديته فاستنار قلبه بنور معرفته أو بالعكس بوجه وبالكتاب المنير الوحي الإلهي من طريق النبوة، وتلك طرق ثلاث إلى مطلق العلم العقل والبصر والسمع وقد أشار تعالى إليها في قوله: " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " اسرى: 36 والله أعلم.
قوله تعالى: " ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله " إلى آخر الآية الثني الكسر والعطف بكسر العين الجانب، وثني العطف كناية عن الاعراض كأن المعرض يكسر أحد جانبيه على الاخر.
وقوله: " ليضل عن سبيل الله " متعلق بقوله: " يجادل " واللام للتعليل أي يجادل في الله بجهل منه مظهر للاعراض والاستكبار ليتوصل بذلك إلى إضلال الناس وهؤلاء هم الرؤساء المتبوعون من المشركين.
وقوله: " له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق " تهديد بالخزي - وهو الهوان والذلة والفضيحة في الدنيا، وإلى ذلك آل أمر صناديد قريش وأكابر مشركي مكة، وإيعاد بالعذاب في الآخرة.
قوله تعالى: " ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد " إشارة إلى ما
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست