وقوله: " لكيلا يعلم من بعد علم شيئا " أي شيئا يعتد به أرباب الحياة ويبنون عليه حياتهم، واللام للغاية أي ينتهي أمره إلى ضعف القوى والمشاعر بحيث لا يبقى له من العلم الذي هو أنفس محصول للحياة شئ يعتد به لها.
قوله تعالى: " وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج " قال الراغب: يقال همدت النار طفئت ومنه أرض هامدة لا نبات فيها ونبات هامد يابس، قال تعالى: " وترى الأرض هامدة انتهى ويقرب منه تفسيرها بالأرض الهالكة.
وقال أيضا: الهز التحريك الشديد يقال: " هززت الرمح فاهتز واهتز النبات إذا تحرك لنضارته، وقال أيضا: ربا إذا زاد وعلا، قال تعالى فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت أي زادت زيادة المتربى انتهى بتلخيص ما.
وقوله: " وأنبتت من كل زوج بهيج " أي وأنبتت الأرض من كل صنف من النبات متصف بالبهجة وهي حسن اللون وظهور السرور فيه، أو المراد بالزوج ما يقابل الفرد فإن كلامه يثبت للنبات ازدواجا كما يثبت له حياة وقد وافقته العلوم التجريبية اليوم.
والمحصل أن للأرض في إنباتها النبات وإنمائها له شأنا يماثل شأن الرحم في إنباته الحيوي للتراب الصائر نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن يصير إنسانا حيا.
قوله تعالى: " ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شئ قدير " ذلك إشارة إلى ما ذكر في الآية السابقة من خلق الانسان والنبات وتدبير أمرهما حدوثا وبقاء خلقا وتدبيرا واقعيين لا ريب فيهما.
والذي يعطيه السياق أن المراد بالحق نفس الحق - أعني أنه ليس وصفا قائما مقام موصوف محذوف هو الخبر - فهو تعالى نفس الحق الذي يحقق كل شئ حق ويجري في الأشياء النظام الحق فكونه تعالى حقا يتحقق به كل شئ حق هو السبب لهذه الموجودات الحقة والنظامات الحقة الجارية فيها، وهي جميعا تكشف عن كونه تعالى هو الحق.