مقتضى ما تقدم خلافه لكن لا تنافي بين المدلولين فإن لكل شئ ومنها الانسان نصيبا في اللوح المحفوظ الذي لا سبيل للتغير والتبدل إلى ما كتب فيه ونصيبا من لوح المحو والاثبات الذي يقبل التغير والتبدل فالقضاء قضاء ان محتوم وغير محتوم، قال تعالى:
" يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " الرعد: 39.
وقد تقدم الكلام في معنى القضاء واتضح به أن لوح القضاء كائنا ما كان ينطبق على نظام العلية والمعلولية وينحل إلى سلسلتين: سلسلة العلل التامة ومعلولاتها ولا تقبل تغييرا وسلسلة العلل الناقصة مع معاليلها وهي القابلة وكأن الصنف الأول من الروايات يشير إلى ما يقضى للجنين من قضاء محتوم والثاني إلى غيره وقد بينا أيضا فيما تقدم أن حتمية القضاء لفعل العبد لا تنافى اختيارية الفعل فتذكر.
وفي الكافي بإسناده عن سلام بن المستنير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: " مخلقة وغير مخلقة " قال: المخلقة هم الذر الذين خلقهم الله في صلب آدم صلى الله عليه، أخذ عليهم الميثاق ثم أجراهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء وهم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق. وأما قوله: " وغير مخلقة " فهم كل نسمة لم يخلقهم الله عز وجل في صلب آدم حين خلق الذر وأخذ عليهم الميثاق، وهم النطف من العزل والسقط قبل أن ينفخ فيه الروح والحياة والبقاء.
أقول وقد تقدم توضيح معنى الحديث في البحث الروائي المتعلق بأيه الذر في سورة الأعراف.
وفي تفسير القمي بإسناده عن علي بن المغيرة عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر.
أقول: وقد تقدم بعض الروايات في هذا المعنى في تفسير سورة النحل في ذيل الآية 70 وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان ناس من الاعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا: إن ديننا هذا صالح فتمسكوا به وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا: ما في ديننا هذا خير فأنزل الله: " ومن الناس من يعبد الله على حرف ".