تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣١٥
ويمكن أن يكون قوله: " إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه " واردا مورد التمثيل أي كان ذهابه هذا ومفارقة قومه ذهاب من كان مغاضبا لمولاه وهو يظن أن مولاه لن يقدر عليه وهو يفوته بالابتعاد منه فلا يقوى على سياسته وأما كونه عليه السلام مغاضبا؟ لربه حقيقة وظنه أن الله لا يقدر عليه جدا فمما يجل ساحة الأنبياء الكرام عن ذلك قطعا وهم معصومون بعصمه الله.
وقوله: " فنادى في الظلمات " الخ.
فيه إيجاز بالحذف والكلام متفرع عليه والتقدير فابتلاه الله بالحوت فالتقمه فنادى في بطنه ربه والظاهر أن المراد بالظلمات كما قيل - ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل.
وقوله: " أن لا إله ألا أنت سبحانك " تبر منه عليه السلام مما كان يمثله ذهابه لوجهه ومفارقته قومه من غير أن يؤمر فان ذهابه ذلك كان يمثل وإن لم يكن قاصدا ذلك متعمدا فيه - أن هناك مرجعا يمكن أن يرجع إليه غير ربه فتبرء من ذلك بقوله لا إله ألا أنت، وكان يمثل أن من الجائز أن يعترض على فعله فيغاضب منه وأن من الممكن أن يفوته تعالى فائت فيخرج من حيطة قدرته فتبرء من ذلك بتنزيهه بقوله: سبحانك.
وقوله: " إني كنت من الظالمين " اعتراف بالظلم من حيث إنه أتى بعمل كان يمثل الظلم وإن لم يكن ظلما في نفسه ولا هو عليه السلام قصد به الظلم والمعصية غير أن ذلك كان تأديبا منه تعالى وتربية لنبيه ليطأ بساط القرب بقدم مبرأة في مشيتها من تمثيل الظلم فضلا عن نفس الظلم.
قوله تعالى: " فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين هو عليه السلام وإن لم يصرح بشئ من الطلب والدعاء وإنما أتى بالتوحيد والتنزيه واعترف بالظلم لكنه أظهر بذلك حاله وأبدى موقفه من ربه وفيه سؤال النجاة والعافية فاستجاب الله له ونجاه من الغم وهو الكرب الذي نزل به.
وقوله: " وكذلك ننجي المؤمنين " وعد بالانجاء لمن ابتلي من المؤمنين بغم ثم نادى ربه بمثل ما نادى به يونس عليه السلام وستجئ قصته عليه السلام في سورة الصافات إن شاء الله.
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»
الفهرست