تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٠٤
قوله تعالى: " وجعلناهم أئمه يهدون بأمرنا " إلى آخر الآية. الظاهر - كما يشير إليه ما يدل من (1) الآيات على جعل الإمامة في عقب إبراهيم عليه السلام - رجوع الضمير في " جعلناهم " إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
وظاهر قوله، " أئمة يهدون بأمرنا " أن الهداية بالامر يجري مجرى المفسر لمعنى الإمامة، وقد تقدم الكلام في معنى هداية الامام بأمر الله في الكلام على قوله تعالى:
" إني جاعلك للناس إماما " البقرة: 124 في الجزء الأول من الكتاب.
والذي يخص المقام أن هذه الهداية المجعولة من شؤون الإمامة ليست هي بمعنى اراءة الطريق لان الله سبحانه جعل إبراهيم عليه السلام إماما بعد ما جعله نبيا - كما أوضحناه في تفسير قوله: " إني جاعلك للناس إماما " فيما تقدم - ولا تنفك النبوة عن الهداية بمعنى إراءة الطريق فلا يبقى للامامة إلا الهداية بمعنى الايصال إلى المطلوب وهي نوع تصرف تكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال ونقلها من موقف معنوي إلى موقف آخر.
وإذ كانت تصرفا تكوينيا وعملا باطنيا فالمراد بالامر الذي تكون به الهداية ليس هو الامر التشريعي الاعتباري بل ما يفسره في قوله: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ " يس: 83 فهو الفيوضات المعنوية والمقامات الباطنية التي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة ويتلبسون بها رحمة من ربهم.
وإذ كان الامام يهدى بالامر - والباء للسببية أو الآلة - فهو متلبس به أولا ومنه ينتشر في الناس على اختلاف مقاماتهم فالامام هو الرابط بين الناس وبين ربهم في إعطاء الفيوضات الباطنية وأخذها كما أن النبي رابط بين الناس وبين ربهم في أخذ الفيوضات الظاهرية وهي الشرائع الإلهية تنزل بالوحي على النبي وتنتشر منه وبتوسطه إلى الناس وفيهم، والامام دليل هاد للنفوس إلى مقاماتها كما أن النبي دليل يهدي الناس إلى الاعتقادات الحقة والأعمال الصالحة، وربما تجتمع النبوة والإمامة كما في إبراهيم وابنيه.

(1) كقوله تعالى: " وجعلها كلمة باقية عقبه " الزخرف: 28 وغيره.
(٣٠٤)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»
الفهرست