تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣١٢
وكيف ينطبق على الرأي الظني بما أنه رأي ظني. ثم يقول: وكلا آتينا حكما وعلما فيصدق بذلك أن الذي حكم به داود أيضا كان حكما علميا لا ظنيا ولو لم يشمل قوله:
" وكلا آتينا حكما وعلما " حكم داود في الواقعة لم يكن وجه لا يراد الجملة في المورد.
على أنك سمعت أن قوله: " وكنا لحكمهم شاهدين " لا يخلو من إشعار بل دلالة على أن الحكم كان واحدا ومصونا عن الخطاء فلا يبقى إلا أن يكون حكمهما واحدا في نفسه مختلفا من حيث كيفية الاجراء وكان حكم سليمان أوفق وأرفق.
وقد وردت في روايات الشيعة وأهل السنة ما إجماله أن داود حكم لصاحب الحرث برقاب الغنم وسليمان حكم له بمنافعها في تلك السنة من ضرع وصوف ونتاج.
ولعل الحكم كان هو ضمان ما أفسدته الغنم من الحرث على صاحبها وكان ذلك مساويا لقيمة رقاب الغنم فحكم داود لذلك برقابها لصاحب الحرث، وحكم سليمان بما هو أرفق منه وهو أن يستوفى ما أتلفت من ماله من منافعها في تلك السنة والمنافع المستوفاة من الغنم كل سنة تعدل قيمتها قيمة الرقبة عادة.
فقوله: " وداود وسليمان " أي واذكر داود وسليمان " إذ " حين " يحكمان في الحرث " إذ " حين " نفشت فيه غنم القوم " أي تفرقت فيه ليلا وأفسدته " وكنا لحكمهم " أي لحكم الأنبياء، وقيل " الضمير راجع إلى داود وسليمان والمحكوم له، وقد عرفت ما فيه، وقيل: الضمير لداود وسليمان لان الاثنين جمع وهو كما ترى " شاهدين " حاضرين نرى ونسمع ونوقفهم على وجه الصواب فيه " ففهمناها " أي الحكومة والقضية " سليمان وكلا من داود وسليمان " آتينا حكما وعلما " وربما قيل: إن تقدير صدر الآية " وآتينا داود وسليمان حكما وعلما " إذ يحكمان الخ.
قوله تعالى: " وسخرنا مع داود الجبال يسبحن معه والطير وكنا فاعلين " التسخير هو تذليل الشئ بحيث يكون عمله على ما هو عليه في سبيل مقاصد المسخر - بكسر الخاء - وهذا غير الاجبار والاكراه والقسر فإن الفاعل فيها خارج عن مقتضى اختياره أو طبعه بخلاف الفاعل المسخر - بفتح الخاء - فإنه جار على مقتضى طبعه واختياره كما أن إحراق الانسان الحطب بالنار فعل تسخيري من النار وليست بمقسورة وكذا فعل الأجير لمؤجره فعل تسخيري من الأجير وليس بمجبر ولا مكره.
ومن هنا يظهر أن معنى تسخير الجبال والطير مع داود يسبحن معه أن لهما
(٣١٢)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»
الفهرست