تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٢٣
مرارا - بمعنى الجمع على طريق الاصطفاء ففيه جمعه تعالى عبده لنفسه لا يشاركه فيه أحد وجعله من المخلصين بفتح اللام، وعلى هذا المعنى يتفرع عليه قوله: " فتاب عليه وهدى " كأنه كان ذا أجزاء متفرقة متشتتة فجمعها من هنا وهناك إلى مكان واحد ثم تاب عليه ورجع إليه وهداه وسلك به إلى نفسه.
وإنما فسرنا قوله: " هدى " وهو مطلق بهدايته إلى نفسه بقرينة الاجتباء، ولا ينافي مع ذلك إطلاق الهداية لان الهداية إليه تعالى أصل كل هداية ومحتدها، نعم يجب تقييد الهداية بما يكون في أمر الدين من اعتقاد حق وعمل صالح، والدليل عليه تفريع الهداية في الآية على الاجتباء، فافهم ذلك.
وعلى هذا فلا يرد على ما قدمنا أن ظاهر وقوع هذه الهداية بعد ذكر تلك الغواية أن يكون نوع تلك الغواية مرفوعا عنه وإذ كانت غواية في أمر إرشادي فالآية تدل على إعطاء العصمة له في موارد الامر المولوية والارشادية جميعا وصونه عن الخطأ في أمر الدين والدنيا معا.
ووجه عدم الورود أن ظاهر تفرع الهداية على الاجتباء كونه مهديا إلى ما كان الاجتباء له والاجتباء إنما يتعلق بما فيه السعادة الدينية وهو قصر العبودية في الله سبحانه فالهداية أيضا متعلقة بذلك وهي الهداية التي لا واسطة فيها بينه تعالى وبين العبد المهدي ولا تتخلف أصلا كما قال: " فإن الله لا يهدي من يضل " النحل: 37، والهداية إلى منافع الحياة أيضا وإن كانت راجعة إليه تعالى لكنها مما تتخلل الأسباب فيها بينها وبينه تعالى والأسباب ربما تخلفت، فافهم ذلك.
قوله تعالى: " قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو " تقدم تفسير مثله في سورتي البقرة والأعراف.
وفي قوله: " قال أهبطا " التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة والافراد ولعل الوجه فيه اشتمال الآية على القضاء والحكم وهو مما يختص به تعالى قال: " والله يقضي بالحق " المؤمن: 20، وقال: إن الحكم إلا لله " يوسف: 67.
قوله تعالى: " فأما يأتينكم مني هدي فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " في الآية قضاء منه تعالى متفرع على الهبوط ولذا عطف بفاء التفريع، وأصل قوله:
(٢٢٣)
مفاتيح البحث: الضلال (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست