تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٢٥
وقوله: " فإن له معيشة ضنكا " أي ضيقة وذلك أن من نسى ربه وانقطع عن ذكره لم يبق له إلا أن يتعلق بالدنيا ويجعلها مطلوبه الوحيد الذي يسعى له ويهتم بإصلاح معيشته والتوسع فيها والتمتع منها، والمعيشة التي أوتيها لا تسعه سواء كانت قليلة أو كثيرة لأنه كلما حصل منها واقتناها لم يرض نفسه بها وانتزعت إلى تحصيل ما هو أزيد وأوسع من غير أن يقف منها على حد فهو دائما في ضيق صدر وحنق مما وجد متعلق القلب بما وراءه مع ما يهجم عليه من الهم والغم والحزن والقلق والاضطراب والخوف بنزول النوازل وعروض العوارض من موت ومرض وعاهة وحسد حاسد وكيد كائد وخيبة سعى وفراق حبيب.
ولو أنه عرف مقام ربه ذاكرا غير ناس أيقن أن له حياة عند ربه لا يخالطها موت وملكا لا يعتريه زوال وعزة لا يشوبها ذلة وفرحا وسرورا ورفعة وكرامة لا تقدر بقدر ولا تنتهي إلى أمد وأن الدنيا دار مجاز وما حياتها في الآخرة إلا متاع فلو عرف ذلك قنعت نفسه بما قدر له من الدنيا ووسعه ما أوتيه من المعيشة من غير ضيق وضنك.
وقيل: المراد بالمعيشة الضنك عذاب القبر وشقاء الحياة البرزخية بناء على أن كثيرا من المعرضين عن ذكر الله ربما نالوا من المعيشة أوسعها وألقت إليهم أمور الدنيا بأزمتها فهم في عيشة وسيعة سعيدة.
وفيه أنه مبني على مقايسة معيشة الغني من معيشة الفقير بالنظر إلى نفس المعيشتين والامكانات التي فيهما ولا يتعلق نظر القرآن بهما من هذه الجهة البتة، وإنما تبحث الآيات فيهما بمقايسة المعيشة المضافة إلى المؤمن وهو مسلح بذكر الله والايمان به من المعيشة المضافة إلى الكافر الناسي لربه المتعلق النفس بالحياة الدنيا الأعزل من الايمان ولا ريب أن للمؤمن حياة حرة سعيدة يسعه ما أكرمه ربه به من معيشة وأن كانت بالعفاف والكفاف أو دون ذلك، وليس للمعرض عن ذكر ربه إلا عدم الرضا بما وجد والتعلق بما وراءه.
نعم عذاب القبر من مصاديق المعيشة الضنك بناء على كون قوله: " فإن له
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»
الفهرست