إذا تعلق بها ونسي مقام ربه ظهرت له سوآت الحياة ولاحت له مساوئ الشقاء بنزول النوازل وخيانة الدهر ونكول الأسباب وتولي الشيطان عنه فطفق يخصف عليه من ظواهر النعم يستدرك بموجود نعمة مفقود أخرى ويميل من عذاب إلى ما هو أشد منه ويعالج الداء المؤلم بآخر أكثر منه ألما حتى يؤمر بالخروج من جنة النعمة والكرامة إلى مهبط الشقاء والخيبة.
فهذه هي التي مثلت لآدم عليه السلام إذ أدخله الله الجنة وضرب له بالكرامة حتى آل أمره إلى ما آل إلا أن واقعته عليه السلام كانت قبل تشريع أصل الدين وجنته جنة برزخية ممثلة في عيشة غير دنيوية فكان النهي لذلك إرشاديا لا مولويا ومخالفته مؤدية إلى أمر قهري ليس بجزاء تشريعي كما تقدم تفصيله في تفسير سورتي البقرة والأعراف.
قوله تعالى: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " المراد بالعهد الوصية وبهذا المعنى يطلق على الفرامين والدساتير العهود، والنسيان معروف وربما يكنى به عن الترك لأنه لازمه إذ الشئ إذا نسي ترك، والعزم القصد الجازم إلى الشئ قال تعالى: " فإذا عزمت فتوكل على الله " آل عمران: 159 وربما أطلق على الصبر ولعله لكون الصبر أمرا شاقا على النفوس فيحتاج إلى قصد أرسخ وأثبت فسمي الصبر باسم لازمه قال تعالى: " إن ذلك لمن عزم الأمور ".
فالمعنى وأقسم لقد وصينا آدم من قبل فترك الوصية ولم نجد له قصدا جازما إلى حفظها أو صبرا عليها والعهد المذكور - على ما يظهر من قصته عليه السلام في مواضع من كلامه تعالى - هو النهي عن أكل الشجرة، بمثل قوله: " لا تقربا هذه الشجرة " الأعراف: 19.
قوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى " معطوف على مقدر والتقدير أذكر عهدنا إليه واذكر وقتا أمرنا الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس حتى يظهر أنه نسي ولم يعزم على حفظ الوصية، وقوله: " أبي " جواب سؤال مقدر تقديره ماذا فعل إبليس فقيل: أبى.
قوله تعالى: " فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " تفريع على إباء إبليس عن السجدة أي فلما أبي قلنا إرشادا لادم إلى ما فيه