الكلام للشفاعة كما يبينه قوله بعده: " ورضي له قولا " فإن التكلم يومئذ منوط بإذنه تعالى، قال: " يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه " هود: 105 وقال: " لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا " النبأ: 38. وقد مر القول في معنى الاذن في التكلم في تفسير سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب.
وأما كون القول مرضيا فمعناه أن لا يخالطه ما يسخط الله من خطأ أو خطيئة قضاء لحق الاطلاق ولا يكون ذلك إلا ممن أخلص الله سريرته من الخطأ في الاعتقاد والخطيئة في العمل وطهر نفسه من رجس الشرك والجهل في الدنيا أو من الحقه بهم فإن البلاء والابتلاء اليوم مع السرائر قال تعالى: " يوم تبلى السرائر " وللبحث ذيل طويل سيمر بك بعضه إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما " إن كان ضمائر الجمع في الآية راجعة إلى " من أذن له " باعتبار معناه كان المراد أن مرضي قولهم لا يخفى على الله فإن علمه محيط بهم وهم لا يحيطون به علما فليس في وسعهم أن يغروه بقول مزوق غير مرضى.
وإن كانت راجعة إلى المجرمين فالآية تصف علمه تعالى بهم في موقف الجزاء وهو ما بين أيديهم وقبل أن يحضروا الموقف في الدنيا حيا أو ميتا وهو ما خلفهم فهم محاطون لعلمه ولا يحيطون به علما فيجزيهم بما فعلوا وقد عنت وجوههم للحى القيوم فلا يستطيعون ردا لحكمه وعند ذلك خيبتهم. وهذا الاحتمال أنسب لسياق الآيات.
قوله تعالى: وعنت الوجوه للحي القيوم " العنوة هي الذلة قبال قهر القاهر وهي شأن كل شئ دون الله سبحانه يوم القيامة بظهور السلطنة الإلهية كما قال: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " المؤمن: 16 فلا يملك شئ شيئا بحقيقة معنى الكلمة وهو الذلة والمسكنة على الاطلاق وإنما نسبت العنوة إلى الوجوه لأنها أول ما تبدو تظهر في الوجوه، ولازم هذه العنوة أن لا يمنع حكمه ولا نفوذه فيهم مانع ولا يحول بينه وبين ما أراد بهم حائل.
واختير من أسمائه الحي القيوم لان مورد الكلام الأموات أحيوا ثانيا وقد تقطعت عنهم الأسباب اليوم والمناسب لهذا الظرف من صفاته حياته المطلقة وقيامه بكل أمر.