تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٢٨
أقول: " وهذا قول من قال في الآية بأن النسيان بمعناه الحقيقي وأن آدم نسي النهي عند الاكل حقيقة ولم يكن له عزم على المعصية أصلا، رد عليه السلام ذلك بمخالفة الكتاب، وبه يظهر ضعف ما رواه في روضة الكافي بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم أن لا يقرب هذه الشجرة، فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها نسي فأكل منها، وهو قول الله تعالى:
" ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما ".
وهذا القول منسوب إلى ابن عباس والأصل فيه ما رواه في الدر المنثور عن الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن عباس قال: سألت عمر بن الخطاب عن قول الله:
" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم " قال: كان رجال من المهاجرين في أنسابهم شئ فقالوا يوما: والله لوددنا أن الله أنزل قرآنا في نسبنا فأنزل الله ما قرأت.
ثم قال لي: إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب إن ولى زهد ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به. قلت: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت والله ما نقول: إنه غير ولا عدل ولا أسخط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيام صحبته. فقال:
ولا في بنت أبي جهل وهو يريد أن يخطبها على فاطمة؟ قلت: قال الله في معصية آدم عليه السلام: " ولم نجد له عزما " وصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن الخواطر التي لم يقدر أحد على دفعها عن نفسه، وربما كانت من الفقيه في دين الله العالم بأمر الله فإذا نبه عليها رجع وأناب فقال: يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا.
فقد بنى حجته على كون المراد بالعزم العزم على المعصية ولازمه كون المراد بالنسيان معناه الحقيقي، فآدم لم يذكر العهد حين الاكل ولا عزم على المعصية فلم يعص ربه، وقد تقدم أنه مخالف لقوله: " قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " على أن الآية بالمعنى الذي ذكره لا تناسب سياق الآيات السابقة عليها ولا اللاحقة، ومن الحري أن يجل ابن عباس وهو هو عن أن ينسب إليه هذا القول.
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»
الفهرست