تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٣٩
واحتجب بها عنه تعالى كان الكلام رسالة أرسل إليه بملك مثلا ووحيا من الملك، وإن التفت إليه تعالى كان وحيا منه وإن كان هناك واسطة لا يلتفت إليها، ومن الشاهد على ما ذكرنا قوله في الآية التالية خطابا لموسى: " فاستمع لما يوحى " فسماه وحيا، وقد أثبت في سائر كلامه فيه الحجاب.
وبالجملة قوله: " إني أنا ربك فاخلع نعليك " الخ، تنبيه لموسى على أن الموقف موقف الحضور ومقام المشافهة وقد خلى به وخصه من نفسه بمزيد العناية، ولذا قيل:
إني أنا ربك، ولم يقل أنا الله أو أنا رب العالمين، ولذا أيضا لم يلزم من قوله ثانيا:
" إني أنا الله " تكرار، لان الأول تخلية للمقام من الأغيار لالقاء الوحي، والثاني من الوحي.
وفي قوله: " نودي " حيث طوي ذكر الفاعل ولم يقل: ناديناه أو ناداه الله من اللطف ما لا يقدر بقدر، وفيه تلويح أن ظهور هذه الآية لموسى كان على سبيل المفاجأة.
قوله تعالى: " وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى " الاختيار مأخوذ من الخير، وحقيقته أن يتردد أمر الفاعل مثلا بين أفعال يجب أن يرجح واحدا منها ليفعله فيميز ما هو خيرها ثم يبني على كونه خيرا من غيره فيفعله، فبناؤه على كونه خيرا من غيره هو اختيار فالاختيار دائما لغاية هو غرض الفاعل من فعله.
فاختياره تعالى لموسى إنما هو لغاية الهية وهي إعطاء النبوة والرسالة ويشهد بذلك قوله على سبيل التفريع على الاختيار " فاستمع لما يوحى " فقد تعلقت المشية الإلهية ببعث إنسان يتحمل النبوة والرسالة وكان موسى في علمه تعالى خيرا من غيره وأصلح لهذا الغرض فاختاره عليه السلام.
وقوله: " وأنا اخترتك " على ما يعطيه السياق من قبيل إصدار الامر بنبوته ورسالته فهو إنشاء لا إخبار، ولو كان إخبارا لقيل: وقد اخترتك لكنه إنشاء الاختيار للنبوة والرسالة بنفس هذه الكلمة ثم لما تحقق الاختيار بإنشائه فرع عليه الامر بالاستماع للوحي المتضمن لنبوته ورسالته فقال: " فاستمع لما يوحى " والاستماع لما يوحى الاصغاء إليه.
(١٣٩)
مفاتيح البحث: الإختيار، الخيار (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست