تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٣٣
ومنهم من اكتفى بالمحتملات النقلية ولم يعتبر العقل.
وقد عرفت مما تقدم من أبحاثنا في المحكم والمتشابه أن تفسير الكتاب العزيز بغير الكتاب والسنة القطعية من التفسير بالرأي الممنوع في الكتاب والسنة.
وجل هؤلاء الطوائف الثلاث المسمين بالمؤولة يسلكون في أفعاله تعالى، مما لا يرجع إلى الصفة مسلك السلف المسمين بالمفوضة في إبقائها على ظواهرها من المصاديق المعهودة عندنا، وأما ما يرجع منها بنحو إلى الصفة فيؤولونه، ففي قوله: " الرحمن على العرش استوى " يؤولون الاستواء إلى مثل الاستيلاء والاستعلاء ويبقون العرش، وهو فعل له تعالى غير راجع إلى الصفة على ظاهره المعهود وهو الجسم المخلوق على هيئة سرير مقبب ذي قوائم، وفيما ورد من طرق الجماعة أن الله ينزل كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا يؤولون نزوله بنزول رحمته ويفسرون السماء الدنيا بفلك القمر، وهكذا.
وقد عرفت فيما مر أن حمل الآية على خلاف ظاهرها لا مسوغ له ولا دليل يدل عليه فلم ينزل الكتاب ألغازا وتعمية ثم الحديث فيه المحكم والمتشابه كالقرآن وإبقاء المتشابه من القرآن على ظاهره بالاستناد إلى ظاهر مثله الوارد في الحديث هو في الحقيقة رد لمتشابه القرآن إلى متشابه الحديث وقد أمرنا برد متشابه القرآن إلى محكمه.
ثم إن في عملهم بهذه الروايات وتحكيمها على ظاهر الكتاب مغمضا آخر وذلك أنها أخبار آحاد ليست بمتواترة ولا قطعية الصدور، وما هذا شأنه يحتاج في العمل بها حتى في صحاحها إلى حجية شرعية بالجعل أو الامضاء، وقد اتضح في علم الأصول اتضاحا يتلو البداهة أن لا معنى لحجية أخبار الآحاد في غير الاحكام كالمعارف الاعتقادية والموضوعات الخارجية.
نعم الخبر المتواتر والمحفوف بالقرائن القطعية كالمسموع من المعصوم مشافهة حجة وإن كان في غير الاحكام لان الدليل على العصمة بعينه دليل على صدقه وهذه كلها مسائل مفروغ عنها في محلها من شاء الوقوف فليراجع.
وفي سنن أبي داود عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال:
أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس ونهكت الأموال أو هلكت فاستسق لنا فإنا نستشفع بك إلى الله تعالى ونستشفع بالله تعالى عليك. فقال
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست