قوله تعالى: " إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكري " هذا هو الوحي الذي أمر عليه السلام بالاستماع له في إحدى عشرة آية تشتمل على النبوة والرسالة معا أما النبوة ففي هذه الآية والآيتين بعدها، وأما الرسالة فتأخذ من قوله " وما تلك بيمينك يا موسى " وتنتهي في قوله: " إذهب إلى فرعون إنه طغى " وقد نص تعالى أنه كان رسولا نبيا معا في قوله: " واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا " مريم: 51.
وقد ذكر في الآيات الثلاث المشتملة على النبوة الركنان معا وهما ركن الاعتقاد وركن العمل، وأصول الاعتقاد ثلاثة: التوحيد والنبوة والمعاد وقد ذكر منها التوحيد والمعاد وطوي عن النبوة لان الكلام مع النبي نفسه وأما ركن العمل فقد لخص على ما فيه من التفصيل في كلمة واحدة هي قوله: " فاعبدني " فتمت بذلك أصول الدين وفروعه في ثلاث آيات.
فقوله: " إنني أنا الله لا إله إلا أنا " عرف المسمى بالاسم بنفسه حيث قال:
إنني أنا الله ولم يقل: إن الله هو أنا لان مقتضى الحضور أن يعرف وصف الشئ بذاته لا ذاته بوصفه كما قال إخوة يوسف لما عرفوه: " إنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي " واسم الجلالة وإن كان علما للذات المتعالية لكنه يفيد معنى المسمى بالله إذ لا سبيل إلى الذات المقدسة فكأنه قيل: أنا الذي يسمى " الله " فالمتكلم حاضر مشهود والمسمى باسم " الله " كأنه مبهم أنه من هو؟ فقيل أنا ذاك على أن اسم الجلالة علم بالغلبة لا يخلو من أصل وصفي.
وقوله: " لا إله إلا أنا فاعبدني " كلمة التوحيد مرتبة على قوله: " إنني أنا الله " لفظا لترتبها عليه حقيقة فإنه إذا كان هو الذي منه يبدأ كل شئ وبه يقوم واليه يرجع فلا ينبغي أن يخضع خضوع العبادة إلا له فهو الاله المعبود بالحق لا إله غيره ولذا فرع على ذلك الامر بعبادته حيث قال: " فاعبدنى ".
وقوله: وأقم الصلاة لذكري " خص الصلاة بالذكر - وهو من باب ذكر الخاص بعد العام اعتناء بشأنه - لان الصلاة أفضل عمل يمثل به الخضوع العبودي ويتحقق بها ذكر الله سبحانه تحقق الروح بقالبه.